للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس حقاً ما علّل به الغرب هجمته الشرسة على الإسلام من

حيث كونه ديانة مضادة للتمدُّن (١). فقد رد الأفغاني ومحمد عبده على هذه الدعوى التي انطلقت على لسان رينان وهانوتو وفرح أنطون وأمثالهم، وكَشَفَ الغلاييني عن روح المدنية في الإسلام، وأكد محمد فريد وجدي أن المدنية الحديثة تتقرب باستمرار، إن لم يمسها التواء أو انحراف، من روح الإسلام الحقيقي.

وسارت الأجيال جيلاً بعد جيل على مدى هيمنة الحكم الأجنبي بتونس، تتبع طلائعُها المسالك التي انتهجها رواد الإصلاح الأولون. وبقدر ما أظهر الغاصب من خطط سياسية ماكرة، وتظاهر به من دعاوى التغيير والإصلاح كان المناضلون، كلّ من موقعه، ومكان عمله، ومركز نشاطه، يحيط تلك التدابير والتصرّفات بما تتطلبه من صمود، وتمليه من تحركات. وامتلأت النفوس، نفوس الخاصة والعامة، بما مسَّها من قهر وعدوان وهضيمة، وبشعور قوي بالحاجة الملحّة إلى دفع كل صور الظلم، ومواجهة التحدّي، من أجل تعديل الوضع، ورفع الأسر، واسترداد الحق، واستعادة الكرامة والحرية.

وبما ترسّخ في روعهم من وجوب اكتساب أو استرجاع شروط كمال السعادة للأمم التي لا تحصل إلا بتقويم المنهج العقدي الإسلامي، وتطهيره مما يشين العقول من لوثة الأوهام وكدر الخرافات، واعتماد سبيل المؤمنين في منهجهم الذي دعا إليه الله على ما به من توجه النفوس إلى بلوغ أعلى مراتب الكمال الإنساني تطبيقاً لخلق القرآن، والتزاماً بالسنّة المطهرة والقدوة الحسنة،


(١) نفس المرجع: ٤١١ - ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>