للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاحتكام إلى العقل، الهبة الإلهية النورانية التي تعصم النفوس من التقليد وتحمل على النظر والاستدلال في طلب الحق والتوصل إليه، والأخذ بأصول التربية الإسلامية التي تخلّص النفوس من سلطان الشهوة وتهذّبها بالمعارف الكاملة والفضائل السامية (١).

شقّ الدعاة سبيل الإصلاح، وحرصوا على تحقيق النهضة الشاملة التي تسدّ على العدو الطريق، وتقرّبهم من الغاية التي رسموها لأنفسهم من أجل تقدُّم مجتمعاتهم وتحرير أوطانهم. ففي مجال التعليم كان الانصراف كلياً إلى أعظم معالم المجد القومي في البلاد التونسية، وأجمعها للمعاني التي تمثِّل عظمة الماضي وضمان الحاضر ونجاح المستقبل، وذلك المعلَم هو جامع الزيتونة. فإنه باعتبار كونه أعظم مساجد العاصمة يُمثل قدسية الدين، وباعتبار كونه أقدم مبانيها يمثل عراقة المجد، وباعتبار كونه معهداً تعليمياً يجمع علوم الملة ويخرّج حفظتها، يُمثل عظمة الحضارة الإسلامية وسلطان الثقافة العربية. فليس بدعاً أن الأمة التي تحرّك شعورها بالقضية القومية، واتصلت بحركة الارتقاء الثقافي، أن تجمع على تقديرها وإجلالها للمَعْلم الشامخ الذي تتمثل فيه عظمة ماضيها ممتزجة بثقافة عصرها. فهي إذا أرادت التسلّي عن أكدار حاضرها المؤلمة باستعادة ماضيها السعيد اتجهت بها تلك الإرادة اتجاهاً شعورياً وغير شعوري إلى جامع الزيتونة (٢).

وبرزت العناية بجامع الزيتونة في المحل الأول، وتنادى الشيوخ والطلاب بإصلاح التعليم ومراعاة أحوال الطلبة، ومراجعة


(١) فهمي جدعان. أسس التقدم عند مفكري الإسلام: ١٦٩.
(٢) محمد الفاضل ابن عاشور. الحركة الفكرية والأدبية في تونس: ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>