خصائص بشار وعلمه وأدبه، لجأنا إلى الإمام الأكبر، ففتح لنا الباب على مصراعيه. ولكل ذي مدخل أو تقديم ما يترجم به عن عميق حسه، ويلوّن به القصد من التوجيه والتعليق، فيُمكِّنُ بذلك مرافقه من الإلمام بما ألمّ به. ومن إدراك خبيئة نفس الشاعر المترجَم له، ومعرفة خصائصه البارزة والمقوِّمات الأساسية لفنه وأدبه. ولُباب ما نريد لفت النظر إليه من خلال رياض بشار الزاهرة، واختيارات الشواهد عليها ما جمعه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في القسمين الثاني والثالث وجزء من الرابع من المقدمة حين قدم لنا صورة البيئة التي نشأ بها بشار ومكاسبه منها، وموضع شعر بشار من كل ما عرف من عيون هذا الفن، ومنزلة هذا الشعر عند العلماء والنقاد.
فالبصرة هي منازل العرب الأقحاح. نبت بها ابن برد، ونشأت لديه المَلَكة العربية. فكان إلى جانب ما تميّز به من الفصاحة والبلاغة، وصحة التعبير وجزالته، تاريخَ عصره بما جارى فيه العرب الخلّص من ذكر أحوالهم وعاداتهم، وأيامهم وأخلافهم، وبما رسمه في خرائده من حديث عن الإسلام ودوله بعد ذلك، وبما وصفه من أحوال المولدين وأمثالهم وعقائدهم، ومجالس جدهم ولهوهم (١).
ورجل كهذا بديع القول، رقيق الحاشية، عذب المجلس، جميل النظم، له من سلطان أدبه ما يسيطر به على القلوب، ويحرّك به النفوس، لا بد أن يكون موزّعاً بين سلطة تحميه أو تعطيه يلجأ إليها، وبين مجالس يلهو فيها. وهكذا كان بشار كما وصفه جامع ديوانه من أهل الوجاهة والسمعة، مكرّماً لدى الخلفاء من بني أمية الذين لم
(١) محمد الطاهر ابن عاشور. مقدمة ديوان بشار: ١/ ٣٤، ٣٥.