للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشار بالمجون (١).

وبمثل هذا الشعر البديع الرائع كان بشار يصف مجالسه، ويتحدّث عن غرامه ونسيبه، وعشقه وصبواته. يقول ناشر الديوان: وصف بشار أحوال الغرام كلَّه، ومدّ نفَس شعره بتفاصيلها. فلم يغادر لشاعر مقالاً في ذلك. وإن وَصفَ الغرام وأفانينه، وهو معظَم شعره، نزع إليه من كل غرض وفي كل مقام. وذلك أسطع برهان على شاعريته، وقوّة خياله، وبلاغة كلامه. فيكون حاله في هذا شبيهاً بحال كثيِّر، الذي قيل: إنه كان مدّعياً ولم يكن عاشقاً (٢).

ولم تحمل بشار عاهاته وعيوبه الخَلقية على تجنّب الناس أو الشعور بالنقص بينهم، بل كان يرى في عماه قوة لذهنه، ومضاء لذكائه.

إذا ولد المولود أعمى وجدتَه ... وجدِّك أهدى من بصير وأجْوَلا

عميتُ جنيناً والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلا

وغاض ضياء العين للقلب فاغتدى ... بقلب إذا ما ضيّع الناسُ حصّلا (٣)

ويعلن أخرى عن تعويضه العمى بحسٍّ أشد رفاهة، وأقوى تأثيراً فيقول:

أنّى ولم ترها تصبو؟ فقلت لهم: ... إن الفؤاد يرى ما لا يرى البصر (٤)

ومرّة يجعل السمع والفؤاد خَلَفاً عن البصر في اجتلاء المحاسن فيقول:


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. مقدمة ديوان بشار: ١/ ٣٥.
(٢) المرجع السابق: ١/ ٣٠.
(٣) مهدي محمد ناصر الدين. ديوان بشار: ٥٧٧.
(٤) مهدي محمد ناصر الدين. ديوان بشار: ٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>