للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمست بِكَفِّي كفَّه أبتغي الغنى ... ولم أَدْرِ أن الجود من كفّه يُعدي

فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدتُ، وأعداني فأتلفتُ ما عندي

وفي باب النسيب الذي فتحه على مصراعيه تاركاً امرأَ القيس فيه عيياً. وأبدع في وصف مشاكاة المتحابين، وتوسيط الرسل، ومراقبة الرقباء، وعذل العذال، بما لم يسبِق إلى تفصيل الوصف فيه أحدٌ من الشعراء. وبهذه المهارة وببديع تصرّفه في الأغراض الغزلية بزّ الشعراء وسار أتباعه منهم على إِثْرِه. وكانوا يتباهون بشعره. ويقلّدونه فيما يسعهم من روائعه مثل قوله (١):

طال التنائي، فكل غير مُتّرك ... حتى تَرَيْ عاتباً منّا ومضطردا

حتى التقينا فمن شكوى ومَعْتَبة ... تَكرُّهاً، لا نخاف العين والرَّصَدا.

غاب القذى فشربنا صفو ليلتنا ... حِبَّين نلهو ونخشى الواحد الصمدا.

قالت: فَأَنَّى - بنفسي - جئتَ مسترقاً ... من العدو تخطّى الوعر والجَدَدا.

جورٌ أتى بك أم قصد، فقلت لها: ... ما زلت أقصد لو تُدنينَ مَن قصدا.

لا تعجبي لاجتيابي الليل منسرقاً ... ما كنت قبلكِ رِعديداً ولا بَلِدا

يا رب قائلة يوماً لجارتها: ... إن المرعّث همِّي غاب أو شَهِدا

وبقية أغراض الشعر التي عني بها بشار: الهجاء، والفخر، والحماسة، والوصف، والأدب. وجرب حظّه في الأراجيز.

فمن ذلك قوله في الفخر والحماسة:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو تقطر الدّما

إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ... ذُرَى منبر صلّى علينا وسلّما (٢)


(١) المرجع السابق: ٢٩٠.
(٢) ابن عاشور. ديوان بشار: ٢/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>