للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثَّل عبد القاهر الجرجاني أيضاً للنظم يتّحد في الوضع، ويدقّ فيه الصنع بقول بشار:

كأنّ مُثار النقع فوقَ رؤوسنا ... وأسيافَنا، ليلٌ تهاوى كواكبه

وهو قرين لبيت امرىء القيس:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العُناب والحشف البالي

ولبيت الفرزدق:

والشيب ينهض في الشباب كأنَّه ... ليل يصيحُ بجانبيه نهار (١)

وقد قدم صاحب دلائل الإعجاز لهذه النظائر بقوله: ومما ندر من الشعر، ولطف مأخذه، ودقّ نظر واضعه، قول بشار:

كأنّ مثار النقع فوقَ رؤوسنا ... وأسيافَنا، ليلٌ تهاوى كواكبه.

ثم عقّب على ذلك الجرجاني بقوله: "وانظر هل يتصوّر أن يكون بشار قد أخطر معاني هذه الكلم بباله أفراداً عارية من معاني النحو التي تراها فيها، وأن يكون قد وقع "كأنّ" في نفسه من غير أن يكون قصد إيقاع التشبيه منه على شيء، وأن يكون فكَّر في مُثار النقع من غير أن يكون أراد إضافة الأول للثاني، وفكر فى فوق رؤوسنا من غير أن يكون قد أراد أن يضيف فوق إلى الرؤوس، وفي الأسياف من دون أن يكون إيراد عطفها بالواو على مُثار" (٢).

ثم جرى على هذا النحو من التفصيل في إبراز حقيقة النظم بقوله:


(١) الجرجاني. دلائل الإعجاز: ٩٢.
(٢) المرجع السابق: ٤١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>