للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وليت شعري كيف يتصوّر وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من غير أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى" (١).

وفي المقارنة بين بيت بشار هذا وقول امرىء القيس:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنابُ والحشف البالي

وبينه وبين قول زياد:

وإنّا وما تُلقي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر، مهما يُلقَ في البحر يغرق

وكذلك بينه وبين بيت الفرزدق:

وما حملت أم امرىء في ضلوعها ... أعقّ من الجاني عليها هجائيا

يثبت الجرجاني أن لبيت بشار مزيةً على قول الفرزدق لأنك تجد في صدر بيت الفرزدق جملة تؤدي معنى، وإن لم يكن معنى يصح أن يقال: إنه معنى فلان، ولا تجد في صدر هذه الأبيات ما يصحّ أن يعدّ جملة تؤدي معنى، فضلاً عن أن تؤدي معنى يقال: إنه معنى فلان. ذلك لأن قوله: "كأن مُثار النقع إلى أسيافنا جزء واحد. وليل تهاوى كواكبه بجملته الجزء الذي ما لم تأت به لم تكن قد أتيت بكلام" (٢).

ومما ورد بشأن هذا البيت أيضاً سبقُ بشار إلى معنى مستجاد فيه، نازعه في ملاحظته غيرُه، ولكنه لتأخّر هذا عن المبادرة إليه، يكون الأول قد غلب عليه. ولهذا قضى الجاحظ لبشار في بيته هذا بعد أن ذكر نظائره. ثم قال: وهذا المعنى قد غلب عليه بشار كما غلب عنترة على قوله:


(١) المرجع السابق: ٤١١ - ٤١٢.
(٢) الجرجاني: ٥٣٥ - ٥٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>