للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه إلى غيره. ولم يسعه بعد طول تردّد، ونسبة بعض نظمه إلى غيره كالمتلمس ونحوه، أن يظهر إعجابه وتَسليمه بتقدم بشار في قوله يمدح مروان بن محمد:

جفا جفوة فازورّ إذ ملّ صاحبه ... وأزرى به أن لا يزال يصاحبه (١)

ومنها:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... أخاً لك، لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً، أو صِلْ أخاك فإنَّه ... مقارف ذنب مرّةً ومجانبُه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه

وبسبب المكانة العالية التي فرض بها بشار وجوده، ومن أجل إقبال الشعراء على أدبه، وتسابقهم إلى حفظه وروايته، احتل هذا الشاعر الكبير بين معاصريه مرتبة متميزة. وأصبحت تعرض عليه روائع الشعر في عصره، أو يحدّث في مناسبات كثيرة بنصوص مختلفة من الشعر فيقارن بينها، ويبدي رأيه فيها. فهو إلى جانب ملكته الأدبية ومواهبه الشعرية، نقادة بصير بوجوه الكلام، يجيد الفهم لما يقال، والحُكم فيما يسمع.

ومثال قدرته على التفريق بين أقاويل الشعر وما نسب منها إلى أصحابها قولُه حين سمع أحدهم ينشد للأعشى:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا

هذا بيت مصنوع، ما يشبه كلام الأعشى.

وقال أبو عبيدة: كنت من نحو عشرين سنة جالساً يوماً عند يونس. فقال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء أنه صنع هذا البيت وأدخله


(١) مهدي محمد ناصر الدين. ديوان بشار: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>