للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحماسة اختيار أبي تمام. وقد وصفها شيخنا الإمام الأكبر بما يبرز حقيقتها، ويحدد منزلتها، ويبين أثرها بقوله:

"فقد كانت خير رائد لمنتهج روض الفصاحة، وأبصرَ مقدمة لجحفل البلاغة. تفتح لمقتفيها ما استعصت به خفايا النكت من الصياصي، وتمكن بيد متقنها من جياد السبق أجفل النواصي، إذ كانت أحاطت بمعاقد الأدب، وتعاطت بمحجتها أفنانَه فتدلّى يانعُ ثمره واقترب".

ولِمَا توفَّرت عليه من الأهمية بحسب موضوعها وأغراضها، ومنهج المرزوقي فيها، تعلّقَ بها البلغاء والنقّاد، وتطلّعوا عن طريقها إلى التعرف على قوانين في القول، معيدين النظر فيها، متدبّرين جملة ما انتظمته من أحكام، وفصّلته من حقائق علمية وقضايا فنية وذوقية. وهي لذلك كما قال شيخنا في مقدّمة شرحه لها، جديرة بما يَنشرُ مطاويها الوفيرة الأغراض، ويصدّق شيْم من اتبع صوب بروقها المتكررة الإيماض، إذ هي من قبيل اللَّمحة الدالة، والخريدة الملتحفة غير المتجالّة. فهي خليقة بفسر كثير من معانيها، إذ كانت مفرغة في دقة صياغة، ولو أخذت على غرها لم يدرك غورَها سوى الراسخين في البلاغة.

وهكذا لما انكشفت له أسرارها، وتراءت له منزلتها وفرائدها، عقد عزمه على تجليتها لطلاب الأدب، وعني بها عناية فائقة بتوضيح دقائقها، مستخدماً في ذلك عمق معرفته باللغة والآداب، ومنبّهاً إلى آراء العلماء والبلغاء والكتاب والشعراء، سائراً في شرحه هذا على النهج القويم الذي تعوّده، وتمكّن منه الأئمة السابقون، مكتفياً في بعض المواضع بالإحالة على كتب الأدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>