للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي جملة من الفنون لا يدركها إلا من دُبجت لهم من طلابها، ولا يجاريها أو يرتع في ميادينها إلا كل حاذق مفن من المترسلين والشعراء الذين يدركون بنظرهم وطباعهم ما احتوته الآثار الفنية الأدبية من معان، ويؤكّدون ما ورد بها من نظريات وأصول وقواعد ونماذج في اللغة وعلومها، والبلاغة وأسرارها، ويُجلون للمتأدبين ضروب العمل الفنّي من نثر ونظم وخطابة وكتابة.

ولارتباط شرح الإمام للمقدمة بكل ما حوته أو دلت عليه قوانين اللغويين والبلغاء، وما تنطق به من آراء واتجاهات فنية وأدبية، يتعين على الدارس أن يقرأ المقدمة مجرّدة عن الشرح، ليتصوّر أغراضها ويحدّد عناصرها، ثم يُتبع بذلك النظر في شرح هذه الرسالة العلمية النقدية ليجد فيها طلبته ويبلغ بها حاجته، ويصل عن طريقها إلى أسباب النجاح في الفنين، والقدرة على الترسل والنظم، بتنمية فطرته وشحذ قريحته وصقل مواهبه.

ولكل من تخير النثر أو الشعر سبيل. فإذا حذق الأديب أحدهما قصر به عن الآخر سعيه، وحيل بينه وبين التفوّق فيه. وإذا الناس والمبدعون في صناعة الكلام أجناس: منهم الكتاب البلغاء، ومنهم الشعراء المبدعون. ولا يستطيع أكثر المترسّلين أن يجيدوا الشعر، ولا غالبُ المهرة من الشعراء أن يقدروا على إنشاء الرسائل والكتب. وتمايزت الفئتان كل واحدة بما خصّت به وبرعت فيه. وكان التنازع والتنافس بينهم قائماً دائماً. "ذلك أن مبنى الترسّل ومبنى الشعر مختلفان، والمتولّي لكل واحد منهما يختار أبعد الغايات لنفسه فيه ... واختلفت الإصابتان لتباين طرفيهما وتفاوت قطريهما". فالعناية بأحد الأسلوبين وإجادته تُباعد الفكر حتماً عن الاهتمام بالآخر والاشتغال به. ولم يُقدَّر الجمعُ بين الفنيْن إلا لطائفة قليلة من

<<  <  ج: ص:  >  >>