للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو فيه خروج إلى ما ليس من مقتضى العادة أو الطبع، أو يكون الوصف فيه غير لائق بالموصوف، أو يكون في البيت حشو لا طائل فيه. وهكذا بإدراك الناظر الدقيق وإحساسه العميق ترتفع منازل الدارسين لفنون الأدب، وتتجلّى صفات الناقد الذي يُقبل نقده ويرتضى حكمه. ومن ثمة نعتوا صيارفة الكلام بعدّة أوصاف. فالناقد البارع كما نبّه إلى ذلك المرزوقي في مقدمته:

- هو من عرف مستور المعنى ومكشوفه، ومرفوض اللفظ ومألوفه فميَّزَ المعنى المبتدع الذي لم تقتسمه المعاوض، ولم تعتسفه الخواطر، ونظر وتبحَّر ودار في أساليب الأدب فتخيّر. وطالت مجاذبته في التذاكر والأبحاث والتداول والابتعاث. وبان له القليل النائب عن الكثير، واللحظ الدال على الضمير، ودرى تراتيب الكلام وأسرارها، كما درى تعاليق المعاني وأسبابها. إلى غير ذلك مما يُكمل الآلة ويشحذ القريحة.

فتراه لا ينظر إلا بعين البصيرة، ولا يسمع إلا بأذن النِّصفة، ولا ينتقد إلا بيد المعدِلة. فحكمه الحكم الذي لا يبدّل، ونقده النقد الذي لا يغيّر (١).

ومن هذا البيان المفصل، من كلام المرزوقي في النقد، يتحقّق لدى العلماء بفن القول وغيرهم أن أسباب الاختيار عند أهل الصناعة حقيقية لا وهمية.

وقد عزز الإمام الأكبر حقيقة الناقد هذه بما نقله عن الآمدي في موازنته من قوله: "وأنبّه على الجيّد وأفضله، وأبيّنُ الرديء


(١) ابن عاشور. شرح المقدمة الأدبية: ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>