للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلهي مصدراً وحجة، وتحقيقِ ما يجلبه للمكلفين من مصالح، ويدرؤه عنهم من مفاسد، يشعرون معه بأن الشريعة عدلٌ كلُّها، وأنها القادرة بسماحتها ومرونتها على الجمع بين خيري الدنيا والآخرة لكل عبد منيب.

وليس بدعاً من الأمر أن نجد الإمام الأكبر ينصرف في التوّ إلى معالجة قضية علمية لها ارتباط كبير بمناهج الدرس والمناظرة بين العلماء وفقهاء الملة. فيردّ على تلك الظاهرة الغالبة التي تَسِمُ علماءَ الدين بالخلاف والجدل، وبالنزاع في ما ليس له كبير أثر في التوصل إلى صميم العلم وعين الحقيقة، ويقرع المتخالفين منهم على عنادهم وإصرارهم على وجهات أنظارهم، "إذ كانوا لا ينتهون في حجاجهم إلى أدلة ضرورية أو قريبة منها، يذعن إليها المُكابر، ويهتدي بها المشبّه عليه. وينقطع بين الجميع الحجاج، ويرتفع عن أهل الجدل ما هم فيه من لجاج" (١).

وقد كانوا يتصوّرون أن المخلَص لهم من ذلك هو علم أصول الفقه. وأنَّى له ذلك. وليس في علم أصول الفقه غُنْيةٌ لمتطلّب هذا الغرض؛ بل هو على العكس لم يكن منتهًى ينتهِي إلى حُكمه المختلفون في الفقه (٢). وقد عسُر بل تعذَّر الرجوع بهم إلى وحدة الرأي أو ما يقرب منها. وسيأتي - بإذن الله - حلَّ هذا المشكل بتدبّره وتفصيل القول فيه على نحو ما سار عليه شيخنا في طريقته التي اختارها لذلك إصلاحاً لعلم أصول الفقه، ودعوةً إلى دراسة المقاصد الشرعية دراسة مستوفاة، تجمع بين قطعية الأدلة والاعتداد بالمصالح. وهذا البحث الذي وضعناه تعريفاً بكتاب مقاصد الشريعة الإسلامية، الذي أتممنا - بفضل الله - تحقيقه، وحاولنا مسايرة ما عَنَّ للمؤلف طرحه من موضوعات فيه، أو كشَف عنه من حقائق، أو جمَعه من القواعد والمقاصد.


(١) المقاصد: ٦.
(٢) المقاصد: ٦ - ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>