وقد وقفنا قليلاً عند ما أورده من ألفاظ لها دلالاتها، اختلطت في أذهان الناس عند استعمالها. فكان من الخير تفصيل القول فيها، وبيان حقيقة الخلاف والاختلاف والمخالفة، مع الإشارة إلى تفاوتها في الدلالة على نحو ما شهد به القرآن في كثير من آياته، وفسّرها به العلماء واللغويون. ويقتضي الأمر أحياناً إلحاق كلمات أخرى قرآنية بما أوردناه هي الأشباه والجدل والمجادلة، لكونها تحمل الدارس على تحديد معانيها، فراراً من اللبس الذي يعرض بسببها، ودفعاً للإشكال الذي قد يحصل منها. فإذا استوى الأمر وتبيّنت المصطلحات في جميع مسارات القول حسبما ألمعنا إليه، انتقلنا بدون شكٍّ إلى تمييز موضوعات الكتاب من علوم الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة متّبعين نفس المنهج الذي سلكه الإمام الأكبر. وإنما قَصَدنا إلى ذلك لكون تلك العلوم قد تبدو لنا أحياناً متقاربة، وأخرى متباعدة، لاشتراكها في الغرض العام الذي هو الشريعة، وتفاوتها فيما انتصبت لإقامته من غايات. وهي خصائص تلك العلوم الثلاثة المتمايزة فيما بينها.
فإذا قضينا هذا الوطر، بحثنا موضوعين لهما أهميتهما الكبرى في مجالات التشريع واستنباط الأحكام؛ أولهما: قطعية أدلة علم أصول الفقه، وثانيهما: التعليل الذي هو طريق الاجتهاد والقياس، وسبيل حمل النظير على نظيره في الحكم عند الاتفاق في العلَّة أو الوصف المناسب أو المصلحة.
ويتبع النظر في ذلك التفريقُ بين المعلّل والتعبّدي من الأحكام. وهو ما أخذ به العلماء على اختلاف بين مذاهبهم واتجاهاتهم كأهل السُّنة، والأشاعرة، والمعتزلة، والظاهرية. وقد يكون الخلاف أو التعارض فيما انتهوا إليه عند إرادة استنباط الأحكام وبيان مقاصدها