للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عبد الله بن عباس يرى خلاف ذلك. قال: النقص يدخل على الأخت من مقدار فرضها؛ لأنها أضعف من الزوج، ومن الأم لأنها قد تنتقل من أن تكون ذات فرض إلى أن تكون من العصبة أي مع البنات. فأبى ابن عباس من إدخال التعليل، ومن نقص فرضي الأم والزوج، وجعلَ الأخت تأخذ البقية بطريقة أن المال قد نفد. فلم يُعمِل التعليلَ هنا، ولكنه أعمل شيئاً من الترجيح بالتنظير (١).

ويقرر الشيخ ابن عاشور بعد هذا: أن الواجب على الفقيه عند تحقّق كون الحكم تعبّدياً أن يحافظ على صورته فلا يزيد من تعبّديتها، ولا يُضيع ما بها من أصل التعبّدية.

أما في المعاملات فهو - كما قدمنا - يوصي أئمة الفقه بأن لا يساعدوا على وجود الأحكام التعبّدية في تشريع المعاملات، وأن يوقنوا بأن ما ادُّعِي التعبّد فيه منها، إنما هو أحكام قد خَفِيت عللُها أو دقّت. وبناء على هذا فهو يدعو إلى رفع العنت عن الأمة قائلاً: إن كثيراً من أحكام المعاملات التي تلقّاها بعض الأئمة تلقَّي الأحكام التعبّدية قد عانى المسلمون من جرّائها متاعبَ جمة في معاملاتهم. وللخروج من هذا المأزق نجده يدعو إلى الاجتهاد في الأمر، بإجادة النظر في الآثار التي تتراءى منها أحكامٌ خفيت عللها ومقاصدها، ويمحص أمرَها. فإن لم يجد لها محملاً من المقصد الشرعي نظر في مختلف الروايات .. كما أن عليه أن ينظر إلى الأحوال العامة في الأمة، التي وردت تلك الآثار عند وجودها (٢).

وإن مَن يعوزه ذلك يحقّ عليه أن يدعو نظراءه للمفاوضة في ذلك مشافهة ومراسلة .. ولا يجوز لهم عند العوز تجاوز المقدار


(١) المقاصد: ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) المقاصد: ١٥٣ - ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>