للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينهم وأجمعوا أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل. فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها. وأتى ابن عبد البر بالعديد من الأقيسة المجمع عليها (١).

والقياس من الدين، وهو حجة عند الثقات من العلماء. ورُتبته بعد الكتاب والسُّنة والإجماع. قال ابن عقيل الحنبلي: قد بلغ القياس التواتر المعنوي عند الصحابة. وهو يفيد القطع. ففي زمنه - صلى الله عليه وسلم - تقرّر القياس وأصولُه مع قوادحه (٢).

وقالت طائفة: إن القياس من الرأي، تريد المنع منه والصرف عنه، لما رواه أبو هريرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، ثم تعمل برهة بسُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تعمل بعد ذلك بالرأي، فإذا عملوا بالرأي ضلّوا".

وقال عمر بن الخطاب: أصبح أهل الرأي أعداء للسنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها، فاشتقوا الرأي (٣).

وفصّل القول في هذا جمهور العلماء فجعلوا الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه. وقد استعمل السلف الرأي الصحيح، فآمنوا به، وسوغوا القول به، وذمّوا الباطل ومنعوا من العمل به في الفتيا والقضاء، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله.

والقسم الثالث جوزوا العمل به عند الاضطرار إليه، حيث لا


(١) ابن عبد البر. جامع بيان العلم وفضله: ٨٧٢/ ف ١٦٤٨.
(٢) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: (٢) ٤/ ٣٥٩.
(٣) ابن عبد البر. الجامع: ١٠٤٠/ ف ١٩٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>