للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجيهه للفقهاء في عصره: يجتنبُ المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس، كان في الأثر ما يغني عن القياس. ومما يدل على خوفه من وقوع أكثر الناس في المحاذير تمسُّكُه الشديد المعروفُ بالآثار. وهو ما ينطق به مسنده. وذكر ابن قدامة أقوال الإمام مؤكداً أن ذلك لا يدل على رفضه القياس إطلاقاً (١).

ولم تثر هذه المقالة ونحوُها إلا اهتماماً زائداً بالفتوى والقضاء. ويفسر هذا قولُ صاحب جامع العلم وفضله: إن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وإنه لا يجتهد إلا عالم بها. فمن أشكل عليه شيءٌ لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل. وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديماً وحديثاً فتدبّره (٢).

وما من شك في كون المعتدِّ به من الأقيسة ما قاسه النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبعه عليه الصحابة، وما كانت عليه الجمهرة من المسلمين الذين أخذوا بالشروط المتقدمة المفصّلة للقياس. ولعل هذا النوع هو الذي وصفه الزهريّ بقوله: نعم وزير العلم الرأيُ الحسن. والفيصل في هذا قول مالك - رحمه الله -: "إنْ نَظُنُّ إلا ظنّاً وما نحن بمستيقنين". وقوله: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب. فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسُّنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسُّنة فاتركوه" (٣).

ولم يساند مقالَة الظاهرية عامةُ الفقهاء لا من حيث الشكل والطريق، ولا من حيث ما يترتّب عليها من آثار لا تصحّ عندنا.


(١) ابن قدامة. روضة الناظر مع شرحه نزهة المخاطر: ٢/ ٢٣٤.
(٢) ابن عبد البر: الجامع: (١) ٢/ ٥٧.
(٣) ابن عبد البر. الجامع: ٢/ ٣٢، ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>