للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنكرين له كابن حزم، أعلن مجافاتَه للظاهرية ومخالفتَه لها. وحمل المتمسكون بالظواهر النافون للقياس كثيراً من أهل السُّنة على سلوك مسلكهم اعتباراً للتعبّد. ووقع لهم من الجمود في استنباط الأحكام ما يشهد بفقدان الحس بالمقاصد لديهم، وعدم الاعتداد بها في ضبط الأحكام كلياً. ودليل ذلك أن من بينهم من تمسك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء خطأ إلا السيف" (١) في قتل العَمد، وهذا لا يصحّ. فإن القتل العمد لا ينحصر في هذه الصورة. بل يحصل بعدة أسباب كالزهق بالخنق، والحرق بالنار، والذبح بقصب أو بما سواه. وهذه من الملحقات بالقتل بالسيف. وقد توقَّفَ بعضهم في الحكم بالقصاص في الصخرة تلقى من علُ على أحد المارة أو الجالسين على جنب الطريق قصداً فتقتلَه، وكذلك في ضرب الرأس بالدبوس، والإغراق مكتوفاً، والتجويع الأيام المتتالية. ويرجع تردّدهم في هذا الموقف إلى أخذ فقهائهم باللفظ أو بالوصف دون القصد، فيوشكون بتصرّفهم أن يبلغوا حد نفي الحِكْمة عن الشريعة التي أنيطت أحكامُها بها. وربما اضطرهم منهجهم الاجتهادي هذا إلى التوقّف عن إثبات الأحكام فيما لم يُروَ فيه من حوادث الزمان عن الشارع حكم. وفي هذا كل الخطر، وهو الإنكار لحقيقة ثابتة عن الشرع تقضي بأن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان. وهذا ما ينطق به قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وغيرُه من النصوص، وتشهد له العقول، أو تنتهي إليه، ويدركه ذوو الفهم بالحلال والحرام.

ولم يَسلَم هذا الحكم: حكم الإمام على الظاهرية من معارضة ونقاش؛ لأنه كان انبنى على نقاط أساسية معتبرة، يجد في العصر


(١) انظر المقاصد: ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>