للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقاسوا ربهم تعالى على أنفسهم. وقالوا: إن الله لا يفعل شيئاً إلا لصالح عباده. وراموا بذلك إثبات العلل في الفترات. قال أبو محمد: وتكاد هذه القضية الفاسدة التي جعلوها عمدة لمذهبهم، وعقدة تنحل عنها فتاواهم أن تكون أصلاً لكل كفر في الأرض. وأما على التحقيق فهي أصل لقول الدهرية والمانوية وقول من قال بالتناسخ، ومن أبطل النبوات (١).

ومن شنيع قوله في ذلك تأويله لقول الله تعالى: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (٢) فيؤول الآية بقوله: فأخبر الله تعالى أن البحث عن علّة مرادِهِ ضلال؛ لأنه لا بد من هذا، أو من أن تكون الآية نهياً عن البحث عن المعنى المراد. وهذا خطأ لا يقوله مسلم، بل إن البحث عن المعنى الذي أراده الله تعالى فرض على كل طالب علم، وعلى كل مسلم فيما يخصه. فصح القول الثاني ضرورةً ولا بد (٣).

وردّ كثير من العلماء بشدّة على إنكار ابن حزم التعليل والقياس (٤)، ونقل إمام الحرمين عن المثبتين قولهم، وهو ما ذهب إليه ذوو التحقيق: إنا لا نعد منكري القياس من علماء الأمة وحملة الشريعة. فإنهم مباهتون أولاً على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواتراً، ومن لا يزعه التَّواتُرُ ولم يحتفل بمخالفته، لم يوثق بقوله ومذهبه (٥).

ولما حدد ابن عاشور موقفه من المثبتين للقياس، ومن


(١) الإحكام: ٨/ ١٢٠.
(٢) سورة المدثر، الآية: ٣١.
(٣) الإحكام: ٨/ ١١٢.
(٤) يوسف العالِم. المقاصد العامة: ١٢٦.
(٥) البرهان: ٢/ ٨١٩، ف ٧٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>