للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأساس تفكير الطائفة الظاهرية تمسكها بالظاهر دون الباطن. قال علماء الأصول: الظاهر هو اللفظ باعتبار دلالته على معنى متبادر منه، وليس مقصوداً أصلياً بسوق الكلام، مع احتماله للتفسير والتأويل وقبوله للنسخ في عهد الرسالة (١).

وكشف ابن حزم عن حقيقة الظاهر الذي انبنى عليه مذهبه بقوله: هو ظاهر اللفظ من ناحية اللغة، فلا يُصرَف اللفظ عن معناه اللغوي إلا لنص آخر أو إجماع. فإن نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره، وعما وضع له من دلالة في اللغة إلى معنى آخر بغير نص أو إجماع، فحكم ذلك النقل أنه باطل، ويعتبر تبديلاً لكلام الله - عز وجل - (٢).

ومن هنا ينطلق ابن حزم إلى القول بأن استخدام القياس في الأحكام الاجتهادية عملية عقلية بحتة تتنافى مع جوهر العقيدة الإلهية. ولو كان الدين بالعقل لجرت أحكامه على خلاف ما أتى به الكتاب والسُّنة.

وكتبت طائفة من الأصوليين عن منكري القياس، فجعلت الرازي في مقدمة هؤلاء بزعمها أنه ينكر أن تكون أحكام الله معلّلة بعلّة البتة. قال الشوكاني: أحسب أن أهم من يصور هذا الاتجاه في الأصول هو داود الظاهري. وعنوَن الشيخ ابن عاشور لهذه المدرسة بمجدّدها ومدوّن مذهبها وواضع أصولها وقواعدها الإمام ابن حزم.

وتحدث أهل العلم كثيراً عن إنكار ابن حزم للتعليل قبل أن يعلن عن مناوأته للقياس عند أهل الرأي. فهو الذي يقول: الحكيم بيننا لا يفعل إلا لعلّة صحيحة، والصحيح هو الذي يفعل لا لعلّة،


(١) علي حسب الله. أصول التشريع: ٢٣٢.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام: ١/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>