للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صاحب المقاصد مؤكداً ما ذهب إليه العزّ: إن النفع الخالص والضر الخالص وإن كانا موجودين إلا أنهما بالنسبة للنفع والضر السويين يعتبران عزيزين. وقد وجه الإمام دعواه بقوله: إن التعاون الواقع بين شخصين هو مصلحة لهما وليس فيه أدنى ضرٍّ، وإن إحراق مال أحد إضرار خالص، على أن بعض المضرة قد يكون لضعفه مغفولاً عنه ممن يلحقه، فذلك منزّل منزلة العدم، مثل المضرة اللاحقة للقادر على الحمل الذي يناول متاعاً لراكب دابة سقط منها متاعه. فإن فعله ذلك مصلحة محضة للراكب، كان ما يعرض للمناول من العمل لا أثر له في جلب ضرًّ إليه (١).

ومن يعد إلى موقف ابن القيم من القول بوجود المصالح والمفاسد المحضة وبنظائرها المختلفة، يجده مصرّحاً بإمكان الجمع بين أقوال الفريقين: فإذا أريد بالمصلحة الخالصة أنها في نفسها خالصة لا تشوبها مفسدة فلا ريب في وجودها، وإذا أريد بالمصلحة ما لا تشوبها مشقة، ولا أذى في طريقها والوسيلة إليها ولا في ذاتها فليست موجودة بهذا الاعتبار. إذ المصالح والخيرات واللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبَر إليها إلا على جسر من التعب. وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن مَن آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة (٢).

* * * * *


(١) المقاصد: ٢٠٥.
(٢) مفتاح دار السعادة: ٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>