أحاط الشيخ ابن عاشور بهذا القسم إحاطة كاملة، وأورد الكثير من البيانات والتقسيمات التي عرضها نقلاً عن الأئمة كالغزالي وابن الحاجب والقرافي والشاطبي. وسار على طريقتهم في ترتيب الكليّات، وخالف القرافي ونازعه في اعتبار حفظ العرض من الضروريات. وتحدّث إثر ذلك عن طرق حفظ الضروريات، وشرحَ القصد من الحاجيات وكذلك التحسينيات، وعدّل وأضاف أشياء كثيرة لم ينتبه إليها من قبله.
أما تعريفه للمصالح الضرورية فقوله: هي التي تكون الأمة بمجموعها وآحادها في ضرورة إلى تحصيلها بحيث لا يستقيم النظام باختلالها. فإذا انخرمت تؤول حالة الأمة إلى فساد وتلاش. وذلك بما قد يحصل من تفاني بعضها ببعض، أو بتسلط العدو عليها، إذا كانت بمرصد من الأمم المعادية لها.
واستند الإمام إلى الغزالي في القول بأن العلم بالضروري مقصود للشارع بأدلة خارجة عن الحصر، واستدل لذلك أيضاً بقول الشاطبي: إن علم هذه الضروريات صار مقطوعاً به لتضافر أدلته.
فقتل النفس مثلاً ورد الخطاب الإلهي بالنهي عنه، وأقام على ارتكابه جنس العقوبة، وأغلظ فيها بالتوعد عليه، ومقارنة شناعة ارتكابه بالشرك. ويذكر بعد هذا ما نبه إليه بعض علماء الأصول من قولهم: إن الإشارة إلى هذه الضروريات ورد بها الذكر الحكيم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ
= المقاصد الشرعية: ٧٩؛ انتصاب الشارع للتشريع: ٨٧؛ الصفة الضابطة للمقاصد الشرعية: ١٦٥؛ ليست الشريعة بنكاية: ٢٩٢؛ نفوذ التشريع والإلزام به يكون بالشدة تارة والرحمة أخرى: ٣٤٩.