للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على السماحة، ودعوته إلى الفطرة بقوله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (١). فالفطرة أعظم أصل من أصول الشريعة، وأبرز مظهر من مظاهرها، تقوم حتماً بما هو مغروز بها في النفس البشرية، من الانصياع إلى الحق، ومجانبة الباطل، وتحقيق مقاصد هذا الدين من الخَلْق. وهذا هو إسلام الوجه إلى الله {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (٢).

وفرّق الإمام في مقاله هذا بين الحقائق والاعتبارات، والأوهام والتخيّلات، حتى يتبيّن للناس كيف كان بعضها وصفاً للإسلام يلازمه ويدعمه، وبعضها الآخر بعيداً عنه يجانبه ولا يرتبط به. فعقائد الإسلام وشرائعه وقوانينه حقائق تدركها العقول، وتتطلبها الحياة، ولها أثرها في الواقع الاجتماعي. وهي تستهدف تقويم المجتمع الإسلامي، أفراداً وجماعات، في الاعتقاد والتفكير وفي الأعمال. ويكون هذا بأخذ الناس بالحقائق التي تهديهم وتنشرح بها نفوسهم، وتنبذ عنهم الأوهام والتخيّلات التي تُضِلُّهم وتوقعهم في الأباطيل: فتطبع على قلوبهم وتحجب عنهم الهدايةَ والاستقامة.

فالحقيقة والاعتبار المتصل بها هي الماهية الثابتة في نفسِ الأمر. وحقيقة الشيء هو مفهوم كلي مركب من معقولات ملازمة أي جواهر أو أغراض أو كليهما، غير مفارقة لجزئيات الكلّي، تقوم من مجموعها صورة متعلقة متميّزة عن غيرها تدعى حقيقة، ولكنها متحيّزة في العالم وفي مدارك العقل.

وأما الاعتبارات فهي المعاني التي توجد في اعتبار المعتبر،


(١) سورة الروم، الآية: ٣٠.
(٢) سورة لقمان، الآية: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>