بحيث لا مندوحة للذهن عن اعتبارها؛ لأن لها تعلّقاً بالحقائق، ولكن وجودها تابع لوجود الحقائق، ووجود الاعتبارات أضعف من وجود الحقائق الثابتة في ذاتها. ووجود الاعتبارات على نوعين: منه ما هو تبع في الخارج لوجود الحقائق المنتسبة تلك الاعتبارات إليها، متابعة وجود الظل للجسم في حال كونه في النور، ومنه ما هو قاصر على التقرر في التعقل في الذهن. وكلها إدراكات ذهنية أُلجئ الذهن إلى إدراكها للزوم تعقل آثارها التي في الوجود. وتقابل هذين الوصفين الأوهام والمتخيّلات.
فأما الأوهام أو الوهميات، كما ذكر شيخنا، فهي المعاني التي يخترعها الوهْم من نفسه دون أن تصل إليه من شيء متحقق في الخارج. والتوهّم والوهْم مركب من الفعل والانفعال؛ لأن الذهن فيه فاعل ومنفعل، فهو يخترع المعنى الوهمي ثم يدركه. والفعل فيه أقوى من الانفعال. والوهْم أوسع من العقل في تصوراته ومخترعاته وتخيّلاته، وأضيق من العقل في الإذعان لما ليس من مألوفه. فقد يعجِز الفهم عن إدراك كثير من الأدلة كما أشار إلى ذلك الغزالي في التهافت. وليس المراد من الوهميات المعاني الجزئية غير المحسوسة الموجودة في المحسوسة. والقصد من الوهم هنا هو الوهم الزائف الكاذب.
وأما المتخيّلات فهي المعاني التي تخترعها قوة الخيال بمعونة الوهم، بأن يركّبها من عدة معان محسوسة محفوظة في حافظة الذهن. والخيال قوة ذهنية بها تحفظ صور المحسوسات بعد غيبة ذواتها .. وهذه القوة الخيالية إذا استعمَلَتها النفس بواسطة القوة العقلية، أو مع تعاون القوتين العقلية والوهمية تسمى فكراً، وإذا استعملتها بواسطة القوة الوهمية؛ أي بمجرد الاختراع دون تصرّف