للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالات من صفات تستقر في النفس فتوحي لمن تخالطه وتلازمه أنها حقائق. ومن الأمور ما تترتّب آثار خفيفة على اعتبارها فيقدر المعدوم كالموجود. ومثال ذلك مِلك المقتول حق القصاص من القاتل قبل وفاته ليصحّ عفوه عن قاتله.

ومن الأمور المعدودة في العادات من الأوهام، واصطلح عليها البشر في عوائدهم، ما أصبح من الفضائل، كستر العورة الذي أقرّه الإسلام وأوجبه. وفي الحديث قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُحشرون حفاة عراة". فقالت عائشة: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: "الأمر أشدّ من أن يهمهم ذلك" (١).

ومن الأوهام والتخيّلات ما يكون جارياً في طرق الدعوة. وهو ليس من الحقائق التي تقتضيها الشريعة أو يطلبها التشريع. وهي وإن استعملت طريقاً لتحصيل علم أو عمل، فهي لا تبلغ في ذاتها أن تكون أمراً مقصوداً حصوله. ومثال هذا قول الله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} (٢)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" (٣). وإنما ورد التخييل والتشبيه بقصد التشنيع والمبالغة في النهي.

ونَهَى الشرع عن العمل بالوهْم. ورد في الجامع الصحيح للبخاري: عن ابن عباس: أن الناس كانوا يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السماء، فكانوا يثنون صدورهم يستحيون من الله، فأنزل الله فيهم: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} (٤).


(١) خَ: ٧/ ١٩٥؛ مَ: ٣/ ٢١٩٤.
(٢) سورة الحجرات، الآية: ١٢
(٣) انظر المقاصد: ١١٣/ تع ١.
(٤) سورة هود، الآية: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>