للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة علمية هي التي افتتح بها الشيخ ابن عاشور الفصل السادس المومى إليه أعلاه، إذ قال: إن الكلام لم يكن في لغة من لغات البشر، ولا كان نوع من أنواعه وأساليبه في اللغة الواحدة بالذي يكفي في الدلالة على مراد اللافظ دلالة لا تحتمل شكاً في مقصده من لفظه (١). ومن أجل هذا احتاج المتكلمون والمستمعون إلى الاستعانة على الفهم الصحيح بالقرائن المقالية والحالية التي تحفُّ بالكلام، وبما يقتضيه السياق في توجه الكلام، ويحدده المقام من غرض الخطاب.

ولبيان هذه الحقيقة أورد الشيخ ابن عاشور صوراً من الخطاب الشرعي قصدَ إثبات تفاوت دلالتها فيما بينها، فيقول: ولذلك تجد الكلام الذي شافه به المتكلم سامعيه أوضح دلالة على مراده من الكلام الذي بلّغه عنه مبلّغ. وهذه الصورة وإن كانت أقلّ وضوحاً وأكثر احتمالاً من الأولى، فإن ما يكون من الكلام عن طريق الكتابة هو أقل وضوحاً من الصورتين السابقتين لفقده دلالة البيان، ولغياب ملامح المتكلم عنه، وإن كانت هذه الصورة الأخيرة من الكلام أضبط من جهة انتفاء التحريف والسهو والتصرّف في التعبير عن المعنى عند سوء الفهم (٢).

وكل هذا يجب أن تُصرف فيه الجهود لتخلَص من الشك والاحتمالات، وما تقتضيه معميّات الكلام من خلط واضطراب. وإن أدقّ مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها هو مقام التشريع، لما يلزم من أعمال ما ينبغي أن يتخذ من الحيطة في هذا المحل (٣).


(١) المقاصد: ٧٩.
(٢) المقاصد: ٨٠ - ٨١.
(٣) المقاصد: ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>