ولكون القرآن بعموماته وديموماته جاء خطاباً إلهياً إلى الأمة قاطبة في جميع الأقطار والعصور، أُنزِل بلسان عربي للبشر؛ لأن تلك اللغة أوفر اللغات عبارة، وأقلها حروفاً، وأفصحها لهجة، وأكثرها تصرفاً في الدلالة على أغراض المتكلم. فكان القرآن جامعاً لأكثر ما يمكن أن تتحمله اللغة العربية في نظم تراكيبها من المعاني في أقل ما يسمح به نظمُ تلك اللغة (١).
وفي هذه الحقائق وأمثالها المفصّلة في التحرير والتنوير ما ينهض دليلاً على صحة ما أورده صاحب المقاصد عن مدى وفاء اللغة والاستعمالات اللغوية بما تتضمنه من معانٍ هي في حاجة إلى كمال البلاغ وتمام الإيحاء بها إلى المخاطبين. وذلك بحسب ما يحفُّ بالكلام من إشارات مقالية أو حالية.
وإنا إذا ما أعدنا النظر في كلام الإمام ابن عاشور نجده متشعّباً إلى سبعة جوانب أو مسائل. واختصاراً للقول في ذلك نرد المسائل السبع التي تُستلهم من دراسته وبحثه إلى ثلاث قضايا:
° الأولى منها: تتعلّق بالخطاب، لغوياً كان أم شرعياً.
° والثانية: تتعلّق بدرجات أنواع الكلام.
° والثالثة: ترتبط بمقام التشريع، وما يتطلبّه من عمق التصور لدلالات الخطاب، تمكيناً للمجتهدين من القيام بدورهم على الوجه الأكمل.
فالقضية الأولى، وهي الخطاب ودلالته، تفترض في المجال اللغوي وجود متكلم ومخاطب، وموضوع خطاب. وهي كذلك