للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ ابن عاشور بهما، لما لهما من أثر في استحضار الظروف والملابسات التي تحفّ بخطاب الشارع.

فالمقام هو محلُّ القيام، ويطلق على المكان المعدود لأمر عظيم، كما في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (١). وهو في الغالب لا يكون إلا لأجل العمل فصرفت دلالة هذا اللفظ إلى العمل نفسه، يشهد لذلك قوله تعالى، على لسان نوح - عليه السلام -: {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} (٢).

والأصل فيه لغة: الدلالةُ على الموضع أو المكان الذي يصدر عنه الناس في أقوالهم وأحوالهم وتصرّفاتهم. وهو بهذا مورد الكلام عندهم. وقد حمل المرادُ من المقام قسماً من الباحثين على ملاحظة وجود نوعين له:

الأول منهما: المقام الذي ينظر فيه إلى الزمن والمكان المصادر فيه الخطاب.

والثاني: وهو لبابُ علمَي المعاني والبيان؛ لأن مداره الخطاب، يقوم على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب في ذاته، وأحوال المخاطِب والمخَاطَب.

ويتّضح مما قدّمناه ما نلمسه من تساوق بين ألفاظ الخطاب، ومن اشتراك وتكامل بين المقامات يعين على التوصّل إلى تحديد معنى الخطاب.

وكلمة (سياق) أخصّ دلالة من كلمة (مقام)؛ لأن المقام - كما أشرنا إلى ذلك أعلاه - نوعان. ولفظ (سياق) لا يعني غير المقام المقالي


(١) سورة الإسراء، الآية: ٧٩.
(٢) سورة يونس، الآية: ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>