للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أحدث في ذلك شيئاً لم يكن يعلمه فترك كراء الأرض. ومما يؤكد موقف ابن عمر هنا ما رواه طاوس عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه. ولكنه قال: أن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذ شيئاً معلوماً. وجرى على هذا البخاري في صحيحه في الباب الذي عقده بعنوان "ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضاً في المزارعة والثمرة". ووقف مثل موقف ابن عمر من هذا الحديث ظهير بن رافع في قوله: لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان بنا رافقاً (١).

ويوضح اختلاف المدارك في فهم النصوص ما كان من لوم عبد الله بن مسعود لخبَّاب بن الأرتّ، وقد جاء إليه وفي أصبعه خاتم من ذهب. قال ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتم أن يُنزع. فقال خباب: أما إنّك لن تراه بعد اليوم. فقال العلماء: وكان خبَّاب يرى نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن لبس خاتم الذهب نهيَ تنزيه لا نهي تحريم. وهذا سبب محاورة ابن مسعود له في نزعه، وأجاب خبابُ ابنَ مسعود إرضاء له. ولم يكن فيما نحسب خلف بين الرجلين؛ لأن ابن مسعود لو كان يرى حرمة ذلك لكان تغييره عليه بلهجة تغيير المنكر (٢).

ومن هذا الحديث الذي أخرجه مالك في موطئه وقد تقدّم (٣): "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيعَ الخيار". فالإمام مالك رغم إثباته الحديث في مصنَّفه علّق عليه بقوله: وليس لهذا عندنا حدّ محدود ولا أمر معمول به فيه. ووجهه عنده حمل الافتراق على الافتراق بالقول. وهو صدور صيغة البيع دون القبول (٤).


(١) المقاصد: ٦٦ - ٦٨.
(٢) المقاصد: ٧١.
(٣) انظر: ١٦٢.
(٤) المقاصد: ٧١، ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>