للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقييد الأدلة بالقواطع إنما هو، كما أشرنا إلى ذلك، الحيرة بين ما ألفوه من أدلة الأحكام، وبين ما راموا أن يصلوا إليه من جعل أصول الفقه قطعيّة كأصول الدين السمعية .. وفي معظم أصول الفقه اختلاف بين علمائه. فنحن إذا أردنا أصولاً قطعيّة للتفقّه في الدين حقّ علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيّرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي غلثت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر. ثم يعد صوغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة (١).

وبهذه الطريقة يكون الرأي الذي انتهى إليه الشيخ ابن عاشور في هذا الموضوع رأياً له أُسُسُه وقواعدُه التي دلت عليها مناقشته للشاطبي، كما أنه عزّز ذلك بما قدّمه من اقتراحات لمدرسة الجويني، تُمكّنها من تحقيق غايتها وبلوغ مقصدها.

(٢) الحديث عما طبعت عليه الشريعة الإسلامية من خضوعها للفطرة ومسايرتها للجِبِلَّة. قال الشاطبي في الفصل الثامن، المسألة السابعة من الموانع ... : إن الأدلة على رفع الحرج في الأمة بلغت مبلغ القطع (٢). فاعتمد في تقريره لهذا المعنى القاعدة الأصولية المعروفة، وردّ الشيخ ابن عاشور هذه الحقيقة إلى حِكمة السماحة في الشريعة الإسلامية. وذلك أن الله جعل هذه الشريعة دين الفطرة، وأمور الفطرة راجعة إلى الجبلة. فهي كائنة في النفوس يسهل عليها قبولها. ومن الفطرة النفور من الشدّة والإعنات. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (٣) ... فكانت الشريعة


(١) المقاصد: ٢٢ - ٢٣.
(٢) الموافقات: (٣) ٢/ ١٣٣.
(٣) سورة النساء، الآية: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>