(وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا مِنْ غَيْرِهَا) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَّنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا وَنَصًّا وَهُوَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ» كَمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مِنْ غَيْرِهَا تَمْلِيكُهَا مِنْ نَفْسِهَا فَيَصِحُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ فِي الْبَيْعِ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إعْتَاقٌ (وَ) لَا يَصِحُّ (رَهْنُهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى بَيْعِهَا، وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا (كَوَلَدِهَا التَّابِعِ لَهَا) فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَرَهْنُهُ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِي (وَعِتْقُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ مِنْ سَيِّدِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ كَإِنْفَاقِهِ الْمَالَ فِي الشَّهَوَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الثُّلُثِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي فِي الْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا مِنْ غَيْرِهَا) بَلْ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا) كَهَدِيَّةٍ وَقَرْضٍ بِأَنْ يُقْرِضَهَا لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: سَرَارِيُّنَا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ سَرِيَّةٍ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) أَيْ إنْ قُرِئَ لَا يُرَى بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إنْ قُرِئَ بِالنُّونِ وَكَذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مَنْسُوخًا عَلَيْهِمَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ لَكِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَسْنَدَ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ جَابِرٍ أَيْ ظَنَّ جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى بَيْعِهِنَّ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا أَيْ مِنَّا أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِ جَابِرٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا اهـ أَيْ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ أَدَّاهُمْ اجْتِهَادُهُمْ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَى بَيْعِهِنَّ وَأَقَرَّهُ أَوْ أَنَّ الِاجْتِهَادَ مِنْ جَابِرٍ أَوْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالْوَاوُ فِي وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ بِمَعْنَى أَوْ وَقَوْلُهُ وَاجْتِهَادًا عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَيَصِحُّ كَوْنُهُ مُغَايِرًا بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَبِالثَّانِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ كَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ مِنْ حِلِّ بَيْعِهَا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مَا نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ قَبْلَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا نَرَى بِالنُّونِ لَا بِالْيَاءِ وَقَوْلُهُ نَصًّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَالْقَوْلُ يَشْمَلُ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ.
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ نَصًّا مَعَ احْتِمَالِ النَّهْيِ لِلتَّنْزِيهِ. قُلْت يَدْفَعُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ. . . إلَخْ وَبِأَنَّ احْتِمَالَ النَّهْيِ لِلتَّنْزِيهِ بَعِيدٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ. . . إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا يُبَعْنَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَالَ ح ل وَحُمِلَ صِيغَةُ لَا يُبَعْنَ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُ) كَأَنْ يَهَبَهَا نَفْسَهَا ع ش وَكَأَنْ يُقْرِضَهَا نَفْسَهَا فَتُعْتَقُ وَتَأْتِي لَهُ بِأَمَةٍ مِثْلِهَا بَدَلِهَا وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِهَا فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا) لَمْ يُسْتَفَدْ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَعْنِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ فَلَعَلَّهُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ.
(قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ. . . إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ ع ش (قَوْلُهُ: كَوَلَدِهَا التَّابِعِ لَهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا كَمَا مَرَّ وَهَذَا التَّشْبِيهُ يُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِلْمَسَائِلِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ انْتِفَاعٌ بِأُمِّ وَلَدِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ خ ط فَانْظُرْ وَجْهَ قَصْرِ الشَّارِحِ لَهُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَبِلَتْ بِهِ) أَيْ بِمَا صَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَلَيْسَ الضَّمِيرُ لِلْوَلَدِ الَّذِي يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ع ش؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ فَيُنَافِيَ قَوْلَهُ مِنْ سَيِّدِهَا، وَأَمَّا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ رَاجِعٌ لَهَا وَلِوَلَدِهَا التَّابِعِ لَهَا فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ وَلَوْ قَالَ وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: كَإِنْفَاقِهِ الْمَالَ) أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ) أَيْ فِي عِتْقِهِمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ذَلِكَ أَيْ حَبَلِهَا بِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ إيصَاؤُهُ بِعِتْقِهِمَا مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْحُجَّةُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وَفَّى بِهَا وَإِلَّا فَيُصْرَفُ لِلْحُجَّةِ مَا يَخُصُّهَا مِنْ الثُّلُثِ وَتُكْمِلُ مِنْ التَّرِكَةِ ع ش وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute