نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَا يُوَالِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ حَقُّ الَّتِي بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالْوَلَاءُ يُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا لَكِنْ قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا جَازَ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَتْ فَأَخَّرَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهَا بِرِضَاهَا تَمَسُّكًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاهِبَةِ (أَوْ) وَهَبَتْهُ (لَهُنَّ أَوْ أَسْقَطَتْهُ) وَالثَّانِي مِنْ زِيَادَتِي (سَوَّى) بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ فِيهِ وَلَا يُخَصِّصُ بِهِ بَعْضَهُنَّ فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ (أَوْ) وَهَبَتْهُ (لَهُ فَلَهُ تَخْصِيصٌ) لِوَاحِدَةٍ بِنَوْبَةِ الْوَاهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِحَقِّهَا عِوَضًا فَإِنْ أَخَذَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّهُ وَاسْتَحَقَّتْ الْقَضَاءَ وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ وَمَا فَاتَ قَبْلَ عِلْمِ الزَّوْجِ بِهِ لَا يُقْضَى.
(فَصْلٌ)
فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ إمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا فَلَوْ (ظَهَرَتْ أَمَارَةُ نُشُوزِهَا) قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ أَوْ فِعْلًا كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ (وَعَظَ) هَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهَبْتُ حَقِّي لِعَائِشَةَ» كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ: لِعَائِشَةَ) وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا إلَّا هِيَ
(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ. . . إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ زَوْجٌ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عَائِشَةُ وَلَهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَزَيْنَبُ وَلَهَا لَيْلَةُ السَّبْتِ وَخَدِيجَةُ وَلَهَا لَيْلَةُ الْأَحَدِ وَفَاطِمَةُ وَلَهَا لَيْلَةُ الِاثْنَيْنِ فَوَهَبَتْ فَاطِمَةُ لَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَ عَائِشَةَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ السَّبْتِ وَيُؤَخِّرُ زَيْنَبَ إلَى لَيْلَةِ الْأَحَدِ وَخَدِيجَةَ إلَى لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّ زَيْنَبَ وَخَدِيجَةَ وَمِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى فَاطِمَةَ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ لَيْلَةِ السَّبْتِ لَا يُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاتَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ فِي وَقْتِهَا فَيُمْكِنُهَا الرُّجُوعُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الْأَحَدِ لِأَنَّ لَيْلَتَهَا حِينَئِذٍ لَمْ تُسْتَوْفَ (قَوْلُهُ: يَفُوتُ حَقُّ الرُّجُوعِ) ؛ لِأَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَتْ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ وَإِذَا رَجَعَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا حَالًا وَلَوْ لَيْلًا حَيْثُ أَمْكَنَ ح ل (قَوْلُهُ: قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ جَوَازِ الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ جِنْسِهِ فَيَشْمَلُ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ كَمَا فِي ع ش (قَوْلُهُ: الْمَوْهُوبَةِ) أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهَا فَلَمَّا حَذَفَ الْجَارَّ انْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي الْمَوْهُوبَةِ وَقَوْلُهُ إلَيْهَا أَيْ إلَى لَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَخَّرَ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ. . . إلَخْ) إذْ لَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يُقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إلَّا هَذِهِ شَرْحُ م ر وَلِأَنَّ الْقَابِلَ هُوَ الزَّوْجُ وَالْمُرَادُ بِقَبُولِهِ عَدَمُ رَدِّهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُنَّ) وَبَقِيَ مِنْ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا لَهُ وَلَهُنَّ فَيَنْبَغِي التَّوْزِيعُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَيَكُونُ هُوَ كَوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَمَا لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ عَيْنًا لِجَمَاعَةٍ وَالتَّقْدِيمُ بِالْقُرْعَةِ زي وح ل وس ل فَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا كَانَ لَهُ الرُّبُعُ فَإِذَا جَاءَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبُعَهَا بِالْقُرْعَةِ فَإِذَا بَقِيَ رُبُعُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى كَمُلَتْ لَهُ لَيْلَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ بِحَسَبِ اللَّيَالِيِ لَا بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ لَيَالِيِ الْوَاهِبَةِ لَيْلَةً بِالْقُرْعَةِ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ وَيَخُصُّ بِلَيْلَتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَرَدَّ الْقَوْلَ بِالتَّوْزِيعِ بِحَسَبِ الْأَجْزَاءِ، نَعَمْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لَيْلَةً وَاحِدَةً فَقَطْ لَهُنَّ وَلِلزَّوْجِ (قَوْلُهُ: بِحَقِّهَا) أَيْ بَدَلِ حَقِّهَا ع ش (قَوْلُهُ: لَزِمَهَا رَدُّهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً حَتَّى يُقَابَلَ بِمَالٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَاسْتَحَقَّتْ الْقَضَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسْقِطْهُ مَجَّانًا م ر وَإِنْ عَلِمَتْ بِالْفَسَادِ ح ل (قَوْلُهُ وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ) وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فَوْرًا مِنْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهَا فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ إنْ أَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ قَضَى مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ ح ل (قَوْلُهُ: قَبْلَ عِلْمِ الزَّوْجِ) بِخِلَافِ مَا فَاتَ بَعْدَ عِلْمِهِ وَكَذَا بَعْدَ عِلْمِ الضَّرَّةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ دُونَ الزَّوْجِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَارْتَضَاهُ م ر سم (قَوْلُهُ: لَا يَقْضِي) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَاحَ مَالِكٌ بُسْتَانٍ ثَمَرَهُ لِإِنْسَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبَاحُ لَهُ بِالرُّجُوعِ فَإِنَّ مَا تَلِفَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَرَامَاتِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ زي.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ]
(فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ)
فِي الْمُخْتَارِ الشِّقَاقُ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ بِالتَّعَدِّي مُتَعَلِّقٌ بِالشِّقَاقِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَكَذَا بَيْنَ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ) قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَادَتَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ نُشُوزًا وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدَ لُطْفٍ. . . إلَخْ شَيْخُنَا وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ خَرَجَ بِالْبَعْدِيَّةِ مَنْ هِيَ دَائِمًا كَذَلِكَ فَلَيْسَ نُشُوزًا إلَّا إنْ زَادَ وَقَوْلُهُ إعْرَاضًا وَعُبُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ كَرَاهَةٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ السَّبَّ وَالشَّتْمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِسُوءِ الْخُلُقِ لَكِنْ لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَيْهِ وَلَوْ بِلَا حَاكِمٍ (فَائِدَةٌ)
حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ مَا حَاجَتُك يَا أَخِي فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute