(ثُمَّ إرَادَةُ مَحَلِّهِ) لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي مُرِيدِ الْعُمْرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَرَمِ
(وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ دُونَ مِيقَاتٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ بَلَغَهُ (مُرِيدُ نُسُكٍ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ عَوْدٌ) إلَيْهِ، أَوْ إلَى مِيقَاتِ مِثْلِهِ مَسَافَةً مُحْرِمًا، أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَضِيقِ وَقْتٍ عَنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ، أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ، أَوْ انْقِطَاعِ رُفْقَةٍ، أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا.
(فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) إلَى ذَلِكَ لِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا، أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ (أَوْ عَادَ) إلَيْهِ (بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِعَمَلِ نُسُكٍ) رُكْنًا كَانَ كَالْوُقُوفِ، أَوْ سُنَّةً كَطَوَافِ الْقُدُومِ (لَزِمَهُ مَعَ الْإِثْمِ) لِلْمُجَاوَزَةِ (دَمٌ) لِإِسَاءَتِهِ فِي الْأُولَى بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَتَأَدِّي النُّسُكِ فِي الثَّانِيَةِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْمُجَاوَزَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْحُكْمِ ذَاكِرًا لَهُ وَكَوْنِهِ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا وَلَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ أَمَّا إذَا عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِمَا ذُكِرَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا إثْمَ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ.
. [دَرْسٌ] (بَابُ الْإِحْرَامِ) أَيْ: الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ بِنِيَّتِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعِرًا م ر ع ش وَقَوْلُهُ: وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَلَامٌ لَمْ أَرَ لَهُ وَجْهًا إذْ كَيْفَ يُحَاذِي مِيقَاتًا أَوَّلًا فَيَسُوغُ لَهُ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ مُحَاذَاتِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ لِأَجْلِ بُعْدِهِ مِنْ مَكَّةَ؟ هَذَا شَيْءٌ لَا يَسْمَحُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا أَظُنُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْسِمَ مُحَاذَاةُ الْمِيقَاتَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ مُحَاذَاةُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا؟ لَكِنْ يُعْتَذَرُ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مُحَاذَاتُهُمَا وَلَوْ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ الْحَالُ وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّهُ يُحَاذِيهِ بِصَدْرِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا يَمْنَةٌ وَيَسْرَةٌ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِذَلِكَ فِيمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سم. فَمَعْنَى جَوَابِهِ أَنَّهُ حَاذَاهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَا هُمَا مَعًا ع ش وَانْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا عَلَى مَا إذَا جَاوَزَ ذَلِكَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ؟ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إرَادَةُ) عَطْفٌ عَلَى النَّفْيِ بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ، ثُمَّ إرَادَةٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ يُجَاوِزْهُ مُرِيدُ نُسُكٍ مَا إذَا جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَيْ: فَمِيقَاتُهُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَهُ فِي حَالِ الْإِرَادَةِ وَيُعْلَمُ تَفْصِيلُ حُكْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ إلَخْ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَيَانٌ لِمَفْهُومِ الْقَيْدِ الَّذِي قَبْلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَحَلَّهُ) أَيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِيقَاتٌ آخَرُ وَإِلَّا كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالصَّفْرَاءِ فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْحُلَيْفَةِ وَقَبْلَ الْجُحْفَةِ فَمِيقَاتُهُمْ الثَّانِي وَهُوَ الْجُحْفَةُ ز ي وَشَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: مَحَلُّهُ وَهُوَ مَسْكَنُهُ فِي الْأُولَى وَمَحَلُّ إرَادَتِهِ فِي الثَّانِيَةِ ح ف. (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَمَكَانَيْهَا لِمَنْ يُحْرِمُ حِلٌّ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ) أَيْ: قَوْلُهُ: وَمَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ لِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ إلَخْ ح ل
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ إلَخْ) وَلَا فَرْقَ فِي الْمُجَاوَزَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إذْ الْمَأْمُورَاتُ لَا يَفْتَرِقُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَى الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَلَا يَقْدَحُ فِيمَا ذُكِرَ فِي السَّاهِي أَنَّهُ لِسَهْوِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ إذْ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ مِنْ مَحَلِّهِ قَاصِدًا لَهُ وَقَصْدُهُ مُسْتَمِرٌّ فَسَهَا عَنْهُ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَمْ مِنْ غَيْرِهِ) الْغَيْرُ هُوَ مَنْ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَحْشَةِ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ حَجّ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَرَضٍ شَاقٍّ أَيْ: لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ يُبِحْ التَّيَمُّمَ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَزِمَهُ مَعَ الْعَوْدِ إلَخْ) أَيْ: أَعَمُّ مِنْ جِهَاتٍ ثَلَاثَةٍ فَقَوْلُهُ: لِيُحْرِمَ مِنْهُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الْعَوْدُ مُحْرِمًا وَقَوْلُهُ: مِنْهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْعَوْدُ إلَى مِيقَاتٍ آخَرَ مِثْلِهِ مَسَافَةً وَقَوْلُهُ: إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ إلَخْ لَيْسَ قَيْدًا أَيْضًا بَلْ مِثْلُهُمَا الْمَرَضُ الشَّاقُّ وَخَوْفُ الِانْقِطَاعِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ: فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْرِمْ بِمَا ذُكِرَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ بِالْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الدَّمِ إنَّمَا هُوَ لِنَقْصِ النُّسُكِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلِتَأَدِّي النُّسُكِ إلَخْ وَبِهِ يَتَّضِحُ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ وَحْدَهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلدَّمِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهُ النَّقْصُ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْإِثْمِ لِلْمُجَاوَزَةِ) أَيْ: وَلَوْ فِي صُورَةِ الْعُذْرِ؛ وَلِأَنَّ الْعُذْرَ إنَّمَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْعَوْدِ لَا إثْمَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِلْمُجَاوَزَةِ (قَوْلُهُ: لِإِسَاءَتِهِ فِي الْأُولَى) أَيْ: وَلِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ. (قَوْلُهُ: وَلِتَأَدِّي النُّسُكِ) أَيْ: مَعَ الْإِسَاءَةِ فَفِيهِ احْتِبَاكٌ.
(قَوْلُهُ: عَالِمًا بِالْحُكْمِ) لَمْ يَقُلْ أَيْضًا عَالِمًا بِالْمِيقَاتِ، أَوْ جَاهِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْسِمَ يَأْبَى ذَلِكَ إذْ هُوَ فِيمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالْمِيقَاتِ ب ر. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) نَوَى الْعَوْدَ، أَوْ لَا.
[بَابُ الْإِحْرَامِ]
(بَابُ الْإِحْرَامِ) أَيْ: الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ وَتُبْطِلُهُ الرِّدَّةُ فَإِذَا قَالُوا فَسَدَ، أَوْ بَطَلَ الْإِحْرَامُ كَانَ مُرَادُهُمْ هَذَا الْمَعْنَى وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ التَّلَبُّسُ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ أَبِي شُجَاعٍ: الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ وَسُمِّيَ إحْرَامًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْحَرَمِ، أَوْ؛ لِأَنَّ بِهِ تَحْرُمُ الْأَنْوَاعُ الْآتِيَةُ وَيُطْلَقُ الْإِحْرَامُ عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ