فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَلَوْ مِنْ قَصِيرٍ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِذَلِكَ. وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ التَّرَدُّدُ فِيهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَقَوْلِي مَاكِثًا إلَى آخِرهْ مِنْ زِيَادَتِي.
(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا. (لِلْقَصْرِ شُرُوطٌ) ثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا: (سَفَرٌ طَوِيلٌ) وَإِنْ قَطَعَهُ فِي لَحْظَةٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ إنْ سَافَرَ (لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ (وَلَمْ يَعْدِلْ) عَنْ قَصِيرٍ (إلَيْهِ) أَيْ: الطَّوِيلِ (أَوْ عَدَلَ) عَنْهُ إلَيْهِ (لِغَرَضٍ غَيْرِ الْقَصْرِ) كَسُهُولَةٍ وَأَمْنٍ وَعِيَادَةٍ وَتَنَزُّهٍ فَإِنْ سَافَرَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ كَأَنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ التَّنَقُّلِ فِي الْبِلَادِ لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ عَدَلَ إلَى الطَّوِيلِ لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ فَكَذَلِكَ كَمَا لَوْ سَلَكَ الْقَصِيرَ وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَوْلِي أَوَّلًا لِغَرَضٍ مِنْ زِيَادَتِي، (وَهُوَ) أَيْ: الطَّوِيلُ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ قَصِيرٍ) كَمَا لَوْ نَوَى الْمِصْرِيُّ أَنْ يُسَافِرَ إلَى دِمْيَاطَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَلْيُوبَ نَوَى الرُّجُوعَ إلَى بَلْدَةٍ فِي الصَّعِيدِ لِحَاجَةٍ فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِالرُّجُوعِ وَلَا بِنِيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِذَلِكَ) فَلَهُ الْقَصْرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَبَعْدَ رُجُوعِهِ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ: فَإِذَا كَانَ التَّرَدُّدُ لِوَطَنِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ انْتَهَى سَفَرُهُ وَإِلَّا فَلَا فَالْمُرَادُ كَنِيَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ ثَلَاثَةُ الْمَنْطُوقِ وَوَاحِدَةُ الْمَفْهُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]
(قَوْلُهُ: وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَفْضَلُ صَوْمٌ لَمْ يَضُرَّ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ: شُرُوطٌ ثَمَانِيَةٌ) وَهِيَ: طُولُ السَّفَرِ، وَجَوَازُهُ، وَعِلْمُ الْمَقْصِدِ، وَعَدَمُ الرَّبْطِ بِمُقِيمٍ، وَنِيَّةُ الْقَصْرِ، وَعَدَمُ الْمُنَافِي لَهَا، وَدَوَامُ السَّفَرِ، وَالْعِلْمُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَسَتَأْتِي. اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: سَفَرٌ طَوِيلٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) الشُّرُوطُ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهَا وَهَذَا نَظِيرُ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ مَعَانٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ هُوَ السَّفَرُ وَالْبَقِيَّةُ شُرُوطٌ لَهُ وَلَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا لَكَانَ ظَاهِرًا قَالَ: الشَّوْبَرِيُّ وَهَلَّا قَالَ طُولُ سَفَرٍ كَمَا قَالَ: ثَانِيهَا جَوَازُهُ. وَأَجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ لَأَوْهَمَ أَنَّ الْمُرَخِّصَ الطُّولُ وَأَنَّهُ قَبْلَ طُولِهِ لَا تَرَخُّصَ لَهُ اهـ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ السَّفَرُ فَقَطْ وَالطُّولُ وَصْفٌ لَهُ كَمَا فِي ع ش (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَطَعَهُ فِي لَحْظَةٍ) فَإِنْ قُلْت إذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي لَحْظَةٍ صَارَ مُقِيمًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَرَخُّصُهُ فِيهَا؟ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصِدِ انْتِهَاءُ تَرَخُّصِهِ لِكَوْنِهِ نَوَى فِيهِ إقَامَةً لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّحْظَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ الَّتِي تَسَعُ التَّرَخُّصَ.
(قَوْلُهُ: فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسَفَرٍ (قَوْلُهُ: لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) أَيْ: دِينِيٍّ، أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ بِقَصْدِ أَنْ يُبَاحَ لَهُ الْقَصْرُ هَكَذَا قَالَ ح ل وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِقَصْدِ أَنْ يُبَاحَ الْقَصْرُ يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ فِي الْعُدُولِ مُجَرَّدَ الْقَصْرِ لَا يَقْصُرُ فَإِذَا كَانَ قَصْدُ الْقَصْرِ لَيْسَ غَرَضًا مُصَحِّحًا لِلْعُدُولِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَرَضًا صَحِيحًا فِي أَصْلِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَذْكُورُ هُنَا قَصْدُ إبَاحَةِ الْقَصْرِ لَا قَصْدُ الْقَصْرِ وَفِيمَا يَأْتِي قَصْدُ الْقَصْرِ وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا وَصَرَّحَ ح ل فِيمَا يَأْتِي بِمَا نَصُّهُ وَقَوْلُهُ: لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَيْ: لِغَيْرِ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَصْرُ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَتِهِ وُجُودُهُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَلَ لِغَرَضٍ غَيْرٍ الْقَصْرِ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَقْصِدَهُ لَهُ طَرِيقَانِ: طَرِيقٌ قَصِيرٌ: لَا يَبْلُغُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَطَرِيقٌ طَوِيلٌ: يَبْلُغُهُمَا فَسَلَكَ الطَّوِيلَ وَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ فَسَلَكَ أَطْوَلَهُمَا وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فِيهِ جَزْمًا اهـ مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: غَيْرِ الْقَصْرِ) وَلَوْ مَعَ الْقَصْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ أَوْ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ فَيَقْصُرُ فِيمَا إذَا شَرَكَ. اهـ. ح ف (قَوْلُهُ: وَتَنَزُّهٍ) هُوَ إزَالَةُ الْكُدُورَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَالَ: شَيْخُنَا ح ف هُوَ رُؤْيَةُ مَا تَنْبَسِطُ بِهِ النَّفْسُ لِإِزَالَةِ هُمُومِ الدُّنْيَا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا حَامِلٌ عَلَى سُلُوكِ ذَلِكَ الطَّوِيلِ وَلَيْسَ حَامِلًا عَلَى أَصْلِ السَّفَرِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَالتِّجَارَةِ مَثَلًا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ غَرَضًا صَحِيحًا وَلَيْسَ التَّنَزُّهَ مِنْهُ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَ غَرَضًا. اهـ. ح ل وز ي أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ طَبِيبٌ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِالتَّنَزُّهِ لَا يُنَافِي تَمْثِيلَهُ بَعْدُ بِالتَّنَقُّلِ وَلَوْ فُسِّرَ بِالتَّنَزُّهِ كَمَا صَنَعَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَمْثِيلَهُ بِالتَّنَزُّهِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَرَضِ الْحَامِلِ عَلَى الْعُدُولِ إلَى الطَّوِيلِ وَتَمْثِيلُهُ بِالتَّنَقُّلِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَرَضِ الْحَامِلِ عَلَى أَصْلِ السَّفَرِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّنَزُّهَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضًا حَامِلًا عَلَى أَصْلِ السَّفَرِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ غَرَضًا حَامِلًا عَلَى الْعُدُولِ إلَى الطَّوِيلِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَدَلَ إلَى الطَّوِيلِ لَا لِغَرَضٍ إلَخْ) قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ لَوْ سَلَكَهُ غَلَطًا لَا عَنْ قَصْدٍ، أَوْ جَهْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا انْتَهَى م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ) أَيْ: الْقَصْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ غَرَضٍ آخَرَ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ فَتُفِيدُ الْعِبَارَةُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْقَصْرَ وَغَيْرَهُ مَعًا لَا يَضُرُّ شَيْخُنَا قَالَ: الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ وَيُفَارِقُ مَا هُنَا جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ فِي الرُّكُوعِ لِقَصْدِ سُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute