للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَشَقَّ نَقْلُهُ) مِنْهُ لِتَقَطُّعِهِ أَوْ بُعْدِ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (دُفِنَ ثَمَّ) لِلضَّرُورَةِ، نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ، وَتُغْرَى الْكِلَابُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وُورِيَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشُقَّ نَقْلُهُ بِأَنْ سَهُلَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ فَيُنْقَلَ فَإِنْ دُفِنَ تُرِكَ.

(، وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: ٢٨] أَيْ: فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٢٨] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ لَهُ إمَامٌ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ (يَسْمَعُهُ فَإِنْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ فِيهِ نُقِلَ) مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ أَوْ دُفِنَ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ لِتَعَدِّيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ بِالْإِذْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِذْنُ، نَعَمْ إنْ تَهَرَّى بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ، وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ وَفِيهِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» ، وَأَمَّا غَيْرُ الْحِجَازِ فَلِكُلِّ كَافِرٍ دُخُولُهُ بِأَمَانٍ.

(وَ) شُرِطَ (فِي الْمَالِ) عِنْدَ قُوتِنَا (كَوْنُهُ دِينَارًا فَأَكْثَرَ كُلَّ سَنَةٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَيْ: مُحْتَلِمٍ دِينَارًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (لَكِنْ لَا يُعْقَدُ لِسَفِيهٍ بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ احْتِيَاطًا لَهُ سَوَاءٌ أَعَقَدَ هُوَ أَمْ وَلِيُّهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي.

(وَسُنَّ) لِلْإِمَامِ (مُمَاكَسَةُ غَيْرِ فَقِيرٍ) أَيْ: مُشَاحَّتُهُ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ، بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَسُنَّ أَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَهُمْ (فَيُعْقَدَ لِمُتَوَسِّطٍ بِدِينَارَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيَّامٍ ح ل

(قَوْلُهُ: أَنَّ الْجَلَبَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: الْمَجْلُوبَ لِلتِّجَارَةِ وَقَوْلُهُ: إلَى الْبَلَدِ الْمُنَاسِبِ إلَى الْحَرَمِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَجْلُوبُ لِلْحَرَمِ مَجْلُوبًا لِلْبَلَدِ عَبَّرَ بِهَا. (قَوْلُهُ: بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ: وَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لِذَلِكَ، كَمَا فِي الْأُمِّ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ: يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ احْتَاجَ إلَيْهِ وَحَمْلِ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَرِضَ) بِأَنْ تَعَدَّى بِدُخُولِهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَرِضَ وَقَوْلُهُ: أَوْ دُفِنَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ مَاتَ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ إلَخْ) وَيُنْدَبُ إلْحَاقُهُ بِهِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ وَتَمَيُّزِهِ بِمَا لَمْ يُشَارَكْ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: لَا يَحُجُّ) أَيْ: لَا يَزُورُ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ.

[شُرُوط الْمَالِ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةَ]

(قَوْلُهُ: عِنْدَ قُوَّتِنَا) أَمَّا عِنْدَ ضَعْفِنَا فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: كَوْنُهُ دِينَارًا) أَيْ: خَالِصًا مَضْرُوبًا فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَمَا فِي م ر وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا بِغَيْرِهِ وَلَوْ فِضَّةً تَعْدِلُهُ وَإِنْ جَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِفِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا) زَادَ فِي شَرْحِ م ر أَوْ عَدْلَهُ أَيْ: مُسَاوِي قِيمَتِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَتَقْوِيمُ عُمَرَ لِلدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قِيمَتَهُ إذْ ذَاكَ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَتَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ بِشَرْطِ ذَبِّنَا عَنْهُمْ فِي جَمِيعِهِ حَيْثُ وَجَبَ فَلَوْ مَاتَ أَوْ لَمْ يَذُبَّ عَنْهُ إلَّا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ وَجَبَ بِالْقِسْطِ، كَمَا يَأْتِي أَمَّا الْحَيُّ فَلَا نُطَالِبُهُ بِالْقِسْطِ أَثْنَاءَ السَّنَةِ وَكَانَ قِيَاسُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ مُطَالَبَتِهِ بِهِ لَوْلَا مَا طَلَبَ مِنَّا مِنْ مَزِيدِ الرِّفْقِ بِهِمْ تَأْلِيفًا لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ:، لَكِنْ لَا تُعْقَدُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَ السَّفِيهِ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُفْضِي إلَيْهَا مَمْنُوعٌ وَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَثْنًى لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَهِيَ حَقْنُ الدِّمَاءِ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ فَإِذَا عُقِدَ بِأَكْثَرَ هَلْ يَحْصُلُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ أَوْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؟ ح ل الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

. (قَوْلُهُ: وَسُنَّ مُمَاكَسَةُ غَيْرِ فَقِيرٍ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ يُمَاكِسُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عُقِدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ أَوْ الْأَوْصَافِ وَعِنْدَ الْأَخْذِ أَيْضًا إنْ عُقِدَ عَلَى الْأَوْصَافِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعْنَاهَا الْمُشَاحَّةُ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ أَيْ: طَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى الدِّينَارِ وَعِنْدَ الْأَخْذِ مَعْنَاهَا الْمُنَازَعَةُ فِي الِاتِّصَافِ بِالصِّفَاتِ كَالْفَقْرِ، وَالتَّوَسُّطِ، فَإِنْ ادَّعَى شَخْصٌ مِنْهُمْ الْفَقْرَ قَالَ لَهُ: أَنْتَ غَنِيٌّ فَادْفَعْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَيْ: مُشَاحَّتُهُ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ قَاصِرٌ فَلَعَلَّ فِيهِ اكْتِفَاءً يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الْآتِي شَيْخُنَا ثُمَّ اُنْظُرْ التَّوْفِيقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَسُنَّ مُمَاكَسَةُ غَيْرِ فَقِيرٍ وَقَوْلِهِ: بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ إلَخْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ هَذَا لَا يُنَافِي الْحُكْمَ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِحَالِهِمْ فِي الْإِجَابَةِ فَإِذَا أَجَابُوا بِالْأَكْثَرِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِجَابَةُ وَجَبَ طَلَبُ ذَلِكَ، ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَمَّا بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ فَلَا مُمَاكَسَةَ إذَا عُقِدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ إلَخْ) بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِذَلِكَ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) أَيْ: يَحْرُمُ، وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْعَقْدِ بِمَا عَقَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّفْقُ بِهِمْ تَأْلِيفًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَمُحَافَظَةً لَهُمْ عَلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ مَا أَمْكَنَ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فَيَعْقِدُ لِمُتَوَسِّطٍ بِدِينَارَيْنِ) أَيْ: وُجُوبًا فَلَا يَنْقُصُ عَنْ الدِّينَارَيْنِ، وَلَا عَنْ أَرْبَعَةٍ فِي الْغِنَى عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: وَسُنَّ أَنْ يَتَفَاوَتَ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَتَةَ تَصْدُقُ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ ثَلَاثًا، وَالْغَنِيِّ خَمْسَةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ، وَالْفَقْرُ بِيَمِينِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>