(نِكَاحُ شِغَارٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (كَزَوَّجْتُكَهَا) هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ زَوَّجَتْكهَا أَيْ: بِنْتِي (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبِضْعُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ) ذَلِكَ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْخَبَرِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي، أَوْ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ الرَّاوِي عَنْهُ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَيُرْجَعْ إلَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ بِهِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ؛ حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ امْرَأَةً وَصَدَاقًا لِأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (لَوْ سَمَّيَا مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْبُضْعِ (مَالًا) كَأَنْ قِيلَ: وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَأَلْفٌ صَدَاقُ الْأُخْرَى (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا) بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ (صَحَّ) نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِانْتِفَاءِ التَّشْرِيكِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطَ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، وَهُوَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى
(وَ) شُرِطَ (فِي الزَّوْجِ حِلٌّ وَاخْتِيَارٌ وَتَعْيِينٌ وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ) فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مُحْرِمٍ، وَلَوْ بِوَكِيلِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» وَلَا مُكْرَهٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا لَهُ احْتِيَاطًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ
(وَفِي الزَّوْجَةِ حِلٌّ وَتَعْيِينٌ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[نِكَاحُ الشِّغَارِ]
قَوْلُهُ نِكَاحُ شِغَارٍ) عَطْفٌ عَلَى الْعَامِلِ الْمُقَدَّرِ قَبْلَ قَوْلِهِ: لَا بِكِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ بِكِنَايَةٍ، وَسُمِّيَ شِغَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْبَلَدَ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ شَرَائِطِهِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ؛ فَكَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ لَا تَرْفَعُ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِك شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ) بِأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُهَا وَزَوَّجْتُكَ بِنْتِي قَالَ الشَّيْخُ أَيْ: سم: ظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَيْ: الْقَابِلُ ذَلِكَ أَيْ: وَبُضْعُ كُلٍّ صَدَاقُ الْأُخْرَى وَقَدْ يُقَالُ: إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ سَقَطَ جَعْلُ الْبُضْعِ صَدَاقًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا سَكَتَ الْمُقَابِلُ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُوجِبُ يَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَسْقُطُ أَثَرُ ذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلْبُطْلَانِ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبُضْعِ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ ذِكْرِهِ تَأَمَّلْ. شَوْبَرِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ذِكْرَ الْبُضْعِ أَيْ: مِنْ الْمُوجِبِ، وَقَوْلُهُ: حِينَئِذٍ أَيْ: حِينَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْقَابِلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ) لَوْ قَالَ: مَذْكُورٌ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. بِرْمَاوِيٌّ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ مَذْكُورٌ فِي آخِرِهِ صَرِيحًا وَتَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى فِي.
(قَوْلُهُ: الْمُحْتَمَلِ) صِفَةٌ لِلْآخَرِ، أَوْ لِلتَّفْسِيرِ. (قَوْلُهُ: فَيُرْجَعُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى التَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ اهـ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ ز ي.
(قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ بِهِ) الْأَوْلَى فِي بُطْلَانِهِ، إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي. (قَوْلُهُ: حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ امْرَأَةً) وَهِيَ صَاحِبَتُهُ أَيْ: الْبُضْعِ فَقَدْ جُعِلَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَلْيَسْتَحِقَّهُ الزَّوْجُ، وَقَوْلُهُ: صَدَاقًا لِأُخْرَى أَيْ: فَتَسْتَحِقُّهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ لَهَا، فَبِنْتُ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ صَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُخَاطَبِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا زَوْجَتَهُ، وَبَيْنَ بِنْتِهِ؛ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ بُضْعِهَا صَدَاقًا لَهَا. وَكَذَا يُقَالُ فِي بِنْتِ الْمُخَاطَبِ، فَظَهَرَ قَوْلُهُ: أَشْبَهَ تَزْوِيجَ إلَخْ بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي كُلٍّ ح ف.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ: فِي بَيَانِ الْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ ح ل. وَقَوْلُهُ: غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّعْلِيقُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ: عَنْ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا أَيْ: مَعَ تَسْمِيَةِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ الْآتِي؛ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى ى ز ي كَأَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ، وَصَدَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ وَإِنَّمَا فَسَدَ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الْأَلْفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ وَرَفَقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ صَدَاقًا وَالرِّفْقُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ مَجْهُولًا فَيُرْجَعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا فَسَدَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ، فَلَوْ عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الثَّانِي تَقْرِيرُ شَيْخِنَا وَبَعْضُهُ فِي ح ل وَقَالَ حَجّ بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكِ وَلَمْ يَزِدْ فَيُقْبَلُ كَمَا ذَكَرَ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَا لِفَسَادِ الْمُسَمَّى ح ل اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَلَوْ بِالْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي كَأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسَمَّى.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَخْ) إنْ قُلْت: شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ مُبْطِلٌ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَلِمَ لَمْ يَبْطُلْ هُنَا؟ قُلْنَا: النِّكَاحُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ س ل
[شُرُوطَ الزَّوْجِ]
. (قَوْلُهُ: وَعِلْمٌ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَضَاعٌ وَشُكَّ هَلْ هُوَ خَمْسٌ أَوْ أَقَلُّ؟ فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَالِمًا بِحِلِّهَا لَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ بِحِلِّ الْمَرْأَةِ لَهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، مَعَ عَدَمِ مُعَارِضٍ لِلْحِلِّ؛ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ شَكَّ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ الْعِدَّةُ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا ظَنَّ مَحْرَمِيَّتَهَا، أَوْ عَدَمَ خُلُوِّهَا مِنْ الْعِدَّةِ أَوْ الزَّوْجِ فَتَبَيَّنَ خِلَافَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ صَحَّ اعْتِبَارًا بِمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَقَوْلُهُ: وَلَا مَنْ جَهِلَ حِلَّهَا أَيْ: لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا مَا لَمْ يَظُنَّ الْمَانِعَ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِلَّا صَحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر وَصَرَّحَ بِهِ ح ل خِلَافًا لِمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُكْرَهٌ) أَيْ: بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ كَأَنْ أَكْرَهَهُ عَلَى نِكَاحِ الْمَظْلُومَةِ فِي الْقَسْمِ فَيَصِحُّ ح ل، بِأَنْ ظَلَمَهَا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا لِيَبِيتَ عِنْدَهَا مَا فَاتَهَا
. (قَوْلُهُ وَفِي الزَّوْجَةِ حِلٌّ وَتَعْيِينٌ) وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُنْتَقِبَةِ أَنْ يَرَاهَا الشَّاهِدَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا