وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ لِلسَّبَبِ لَا لِلشَّرْطِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ وَعَزَاهُ لِجَمْعٍ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَرْجَحُ كَالْمُزَكِّينَ.
(كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ) الدَّعْوَى لُغَةً الطَّلَبُ وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ لِلْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ،
وَالْبَيِّنَةُ الشُّهُودُ سُمُّوا بِهَا؛ لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (الْمُدَّعِي مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ: الظَّاهِرَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَافَقَهُ فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ وَقَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ (قَبْلَ وَطْءٍ أَسْلَمْنَا مَعًا) فَالنِّكَاحُ بَاقٍ (وَقَالَتْ) بَلْ (مُرَتَّبًا) فَلَا نِكَاحَ (فَهُوَ مُدَّعٍ) وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
تُوجِبُ الرَّجْمَ وَهُوَ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْمَ لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَحْدَهَا بَلْ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِصِفَةِ كَمَالٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ فِي نَفْسِهِ كَمَالٌ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَعَ الزِّنَا الرَّجْمُ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ تَعَدِّيهِ بِالزِّنَا (قَوْلُهُ إنَّمَا يُضَافُ لِلسَّبَبِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شُهُودَ التَّعْلِيقِ يَغْرَمُونَ بِرُجُوعِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُمْ شُهُودُ الزِّنَا. (قَوْلُهُ وَالْمَعْرُوفُ إلَخْ) ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: كَالْمُزَكِّينَ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الزِّنَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِحْصَانِ صَالِحٌ لِإِلْجَاءِ الْقَاضِي إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَدُّ، وَالشَّهَادَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّزْكِيَةِ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْإِلْجَاءِ أَصْلًا فَكَأَنَّ الْمُلْجِئَ هُوَ التَّزْكِيَةُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ز ي. .
[كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]
(كِتَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ) أَفْرَدَ الدَّعْوَى وَجَمَعَ الْبَيِّنَاتِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ع وَانْظُرْ لِمَ ذَكَرَ الْبَيِّنَاتِ هُنَا مَعَ تَقَدُّمِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا هُنَا نَظَرًا لِأَدَائِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَمَدَارُ الْخُصُومَةِ عَلَى خَمْسَةٍ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْبَيِّنَةُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: الدَّعْوَى) أَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى كَفَتْوَى وَفَتَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا قِيلَ سُمِّيَتْ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِيَخْرُجَ مِنْ دَعْوَاهُ عَبْدُ الْبَرِّ (قَوْلُهُ: لُغَةً الطَّلَبُ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: ٥٧] (قَوْلُهُ: إخْبَارٌ بِحَقٍّ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَقَوْلُهُ: لِلْمُخْبِرِ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَهُ فِي الْحَقِّ تَعَلُّقٌ فَيَشْمَلُ الْوَلِيَّ وَنَاظِرَ الْوَقْفِ ح ل (قَوْلُهُ: عِنْدَ حَاكِمٍ) أَوْ مُحَكَّمٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ ذِي شَوْكَةٍ إذَا تَصَدَّى لِفَصْلِ الْأُمُورِ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ م ر ع ش (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِمْ) اسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ (قَوْلُهُ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ إلَخْ) لَمْ يَظْهَرْ تَخْرِيجُ الْحَدِيثِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى نَقِيضَ التَّالِي أَنْتَجَ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ لَمْ يَدَّعِ النَّاسُ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ فَلَمْ يُعْطَوْا إلَخْ وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ادِّعَاءَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَاقِعٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ بِلَا بَيِّنَةٍ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إلَخْ فَهُوَ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ التَّالِي أَوْ يُقَالُ أَطْلَقَ السَّبَبَ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَادَّعَى نَاسٌ إلَخْ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ وَهُوَ الْأَخْذُ نَعَمْ يَظْهَرُ اسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدِ الْإِنْتَاجِ جِ وَإِنْ أَنْتَجَ هُنَا لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ فَالْأَوْلَى تَخْرِيجُ الْحَدِيثِ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ الِاسْتِدْلَال بِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى امْتِنَاعِ الثَّانِي وَالتَّقْدِيرُ امْتَنَعَ ادِّعَاؤُهُمْ شَرْعًا مَا ذُكِرَ لِامْتِنَاعِ إعْطَائِهِمْ بِدَعْوَاهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:
وَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ
فَيُقَالُ هُنَا وَلَكِنْ لَا يُعْطَوْنَ بِدَعْوَاهُمْ فَلَمْ يَدَّعُوا إلَخْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ إلَخْ فَهُوَ فِي مَعْنَى نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْيَمِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ إلَخْ) أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً (قَوْلُهُ: مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ: الظَّاهِرَ) وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُكْتَفَ مِنْهُ بِالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ ح ل وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَوْ سَكَتَ خُلِّيَ وَلَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هـ مَنْ لَا يُخَلَّى وَلَا يَكْفِيهِ السُّكُوتُ فَإِذَا طَالَبَ زَيْدٌ عَمْرًا بِحَقٍّ فَأَنْكَرَ فَزَيْدٌ يُخَالِفُ قَوْلَهُ الظَّاهِرُ مِنْ بَرَاءَةِ عَمْرٍو وَلَوْ سَكَتَ تَرَكَ وَعَمْرٌو يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ وَلَوْ سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَزَيْدٌ مُدَّعٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَخْتَلِفُ مُوجِبُهُمَا غَالِبًا ام ر.
(قَوْلُهُ: مَنْ وَافَقَهُ) أَيْ وَافَقَ قَوْلُهُ: الظَّاهِرَ قَالَ ز ي وَمِنْ ثَمَّ اُكْتُفِيَ بِيَمِينِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ لِضَعْفِ جَانِبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُدَّعٍ) ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسْلَامَيْنِ مَعًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهَذَا عَلَى التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مُدَّعِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ تُرِكَتْ وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَوْ سَكَتَ لِزَعْمِهَا انْفِسَاخَ النِّكَاحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ وَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَيَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِاعْتِضَادِهِ بِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الزَّوْجَةُ وَالْمُعْتَمَدُ