للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى آخِرِهِ (تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا الْمُنَجَّزِ) بِالرَّفْعِ (إلَيْهَا وَلَوْ بِكِنَايَةٍ) كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: طَلِّقِي، أَوْ أَبِينِي نَفْسَك إنْ شِئْت. (تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: مَلَّكْتُك طَلَاقَك بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي نَفْسَك لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يُعَلَّقُ (فَيُشْتَرَطُ) لِوُقُوعِهِ (تَطْلِيقَهَا وَلَوْ بِكِنَايَةٍ فَوْرًا) لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا مُتَضَمِّنٌ لِلْقَبُولِ، فَلَوْ أَخَّرَتْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ.

(وَلَهُ رُجُوعٌ) عَنْ التَّفْوِيضِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ تَطْلِيقِهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ (فَإِنْ قَالَ) لَهَا: (طَلِّقِي) نَفْسَك (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ بِهِ) أَيْ: بِالْأَلْفِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ (أَوْ) قَالَ: (طَلِّقِي) نَفْسَك (وَنَوَى عَدَدًا فَطَلُقَتْ وَنَوَتْهُ أَوْ) نَوَتْ (غَيْرَهُ) بِأَنْ نَوَتْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ (فَمَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ) يَقَعُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الْأُولَى يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَقَدْ نَوَيَاهُ، وَمَا نَوَتْهُ فِي الدُّونِ أَوْ نَوَاهُ فِي الْفَوْقِ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَوَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ، وَقَدْ انْتَفَتْ نِيَّتُهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَتَعْبِيرِي بِالْعَدَدِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالثَّلَاثِ، وَأَفَادَ تَعْبِيرِي بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى ثَلَاثًا وَنَوَتْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَاقْتِصَارُ الْأَصْلِ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ يُفْهَمُ خِلَافُهُ (أَوْ) قَالَ (طَلِّقِي) نَفْسَك (ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ، أَوْ عَكْسَهُ) أَيْ: قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَثَلَّثَتْ (فَوَاحِدَةً) لِأَنَّهَا الْمَوْقِعُ فِي الْأُولَى وَالْمَأْذُونُ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَهَا فِي الْأُولَى بَعْدَ أَنْ وَحَّدَتْ، وَإِنْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ أَنْ تُطَلِّقَ ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَلَمْ تَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَا نَوَتْهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ

(فَصْلٌ) فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ وَمَا يُذْكَرْ مَعَهُ لَوْ (نَوَى عَدَدًا بِصَرِيحٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) بِنَصَبٍ أَوْ رَفْعٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ بَلْ الَّذِي فِيهِ تَخْيِيرُهُنَّ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ اخْتَرْنَ الْعَدَمَ أَيْ: فِرَاقَهُنَّ طَلَّقَهُنَّ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] وَهَذَا وَجْهُ التَّبَرِّي بِقَوْلِهِ: وَاحْتَجُّوا. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ خ ط، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْوِيضِ السَّبَبِ تَفْوِيضُ الْمُسَبَّبِ.

(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا قَالَ إلَخْ، وَلَمْ يَقُلْ: الْآيَةَ لِكَوْنِ الدَّلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ. (قَوْلُهُ: بِالرَّفْعِ) فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ رَفْعِهِ؟ وَهَلْ يَصِحُّ جَرُّهُ؟ . قُلْت: وَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِتَفْوِيضٍ وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَلْيُحْتَرَزْ بِهِ عَنْ تَفْوِيضِ طَلَاقِهَا بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَطَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ لَغْوٌ، وَلَا يَصِحُّ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالتَّنْجِيزِ إلَّا بَعْدَ تَطْلِيقِهَا نَفْسَهَا م ر شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَيْهَا) أَيْ: الْمُكَلَّفَةِ الرَّشِيدَةِ لَا غَيْرِهَا حَيْثُ وُجِدَ الْعِوَضُ أَوْ، وَلَوْ سَفِيهَةً حَيْثُ لَا عِوَضَ وَمِنْ الْكِنَايَةِ قَوْلُهُ لَهَا: طَلِّقِينِي فَقَالَتْ لَهُ: أَنْت طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى التَّفْوِيضَ إلَيْهَا، وَهُوَ تَطْلِيقُ نَفْسِهَا طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنْ نَوَى عَدَدًا وَقَعَ وَإِلَّا فَوَاحِدَةً وَإِنْ ثَلَّثَتْ ح ل. (قَوْلُهُ: أَوْ أَبِينِي) وَنَوَى التَّفْوِيضَ وَنَوَتْ الطَّلَاقَ ح ل.

(قَوْلُهُ: إنْ شِئْت) لَيْسَ بِقَيْدٍ إنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَهُوَ مُبْطِلٌ كَمَا يَأْتِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ أَيْضًا مَعَ التَّأْخِيرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا أَخَّرَهُ وَكَانَ التَّفْوِيضُ مَنُوطًا بِمَشِيئَتِهَا فِي الْوَاقِعِ كَانَ كَالْعَدَمِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ: التَّفْوِيضَ مِنْ حَيْثُ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَنْتِجُ أَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ إذْ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ: فَنَزَلَ إلَخْ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَوْرًا) وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ فِي غَيْرِ مَتَى وَنَحْوِهَا، فَإِنْ أَتَى بِنَحْوِ مَتَى، فَلَا فَوْرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر اهـ زي بِأَنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ التَّفْوِيضَ مُنَجَّزٌ، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا نَفْسَهَا) أَيْ: لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابُ التَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرِيٌّ شَوْبَرِيٌّ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر فَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ يَكُونُ تَطْلِيقِي لِنَفْسِي فَقَالَ لَهَا: قُولِي: طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ عُرْفًا قَالَهُ الْقَفَّالُ. اهـ زي وسم مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ) بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ كَانَ الْكَلَامُ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ يَسِيرًا هَذَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالْأَجْنَبِيِّ إلَّا إنْ طَالَ كَمَا فِي الْخُلْعِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا حَقِيقِيًّا ح ل وسم وَزي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَهَا) أَيْ: لِمُطْلَقَةِ التَّصَرُّفِ ح ل. (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَتْ) وَإِنْ لَمْ تَقُلْ بِالْأَلْفِ ح ل. (قَوْلُهُ: دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَنْوِيِّهِ. (قَوْلُهُ: فِي الدُّونِ) أَيْ: فِي نِيَّتِهَا الدُّونِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَوَاهُ فِي الْفَوْقِ أَيْ: فِي نِيَّتِهَا الْفَوْقِ ح ل. (قَوْلُهُ: وَاقْتِصَارُ الْأَصْلِ عَلَى قَوْلِهِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةً فِي الْأَصَحِّ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَكَيْفَ تَتَأَتَّى الْفَوْرِيَّةُ؟ وَيُجَابُ بِمَا مَرَّ عَنْ سم مِنْ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ هُنَا الْفَصْلُ بِالْكَلَامِ الْيَسِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إلَخْ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ ثَلَاثًا فَأَجَابَهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا نِيَّةَ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّائِلَ فِي تِلْكَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ فَنُزِّلَ الْجَوَابُ عَلَى سُؤَالِهِ بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ فَلَمْ يُنَزَّلْ الْجَوَابُ عَلَى سُؤَالِهَا شَرْحُ م ر.

[فَصْلٌ فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ وَمَا يُذْكَرْ مَعَهُ]

أَيْ: قَوْلُهُ: وَفِي مَوْطُوءَةٍ إلَخْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَا تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّتِهِ مَذْكُورٌ بِالتَّبَعِ وَلَوْ قَالَ: فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا لَكَانَ أَوْلَى ح ل

<<  <  ج: ص:  >  >>