للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمَّا إذَا فُتِحَتْ صُلْحًا بِدَلَالَتِهِ، وَدَخَلَتْ فِي الْأَمَانِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِتَسْلِيمِ أَمَةٍ، وَلَا الْكَافِرِ الدَّالِّ بِبَدَلِهَا نُبِذَ الصُّلْحُ، وَبَلَغُوا الْمَأْمَنَ وَإِنْ رَضُوا بِتَسْلِيمِهَا بِبَدَلِهَا أُعْطُوا بَدَلَهَا مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ. وَخَرَجَ بِالْكَافِرِ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّتْ مُعَاقَدَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ تَصْحِيحَهُ يُعْطَاهَا إنْ وُجِدَتْ حَيَّةً وَإِنْ أَسْلَمَتْ، فَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الظَّفَرِ فَلَهُ قِيمَتُهَا وَتَعْيِينُ الْقَلْعَةِ مَعَ تَقْيِيدِ الْفَتْحِ بِمَنْ عَاقَدَ، وَإِسْلَامُ الْأَمَةِ بِالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مِنْ زِيَادَتِي.

[دَرْس] (كِتَابُ الْجِزْيَةِ) تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ: مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] أَيْ: لَا تَقْضِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] ، وَقَدْ «أَخَذَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ " وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ " كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ، وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفُسِّرَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا، وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا (أَرْكَانُهَا) خَمْسَةٌ (عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ وَشُرِطَ فِيهَا) أَيْ: فِي الصِّيغَةِ (مَا) مَرَّ فِي شَرْطِهَا (فِي الْبَيْعِ) مِنْ نَحْوِ اتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مُؤَقَّتَةً أَوْ مُعَلَّقَةً.

ــ

[حاشية البجيرمي]

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا فُتِحَتْ إلَخْ) لَمْ يُدْخِلْ هَذِهِ الصُّورَةَ تَحْتَ " إلَّا " لِمُخَالَفَةِ حُكْمِهَا لِلصُّوَرِ السِّتِّ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهَا، فَلِذَا أَفْرَدَهَا وَأَيْضًا فَهِيَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَنْوَةً الَّذِي هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فَلَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُهَا تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا) أَيْ: أَهْلُ الْقَلْعَةِ الْمَفْتُوحَةِ صُلْحًا (قَوْلُهُ: وَبَلَغُوا الْمَأْمَنَ) بِأَنْ يُرَدُّوا لِلْقَلْعَةِ وَيُقَاتِلُوا، كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: بَدَلَهَا) بِأَنْ يَأْخُذُوا بَدَلَهَا.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ) أَيْ: مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، كَمَا زَعَمَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ز ي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسْلَمَتْ) إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَهُ وَجَدْت حُكْمَ مُعَاقَدَةِ الْمُسْلِمِ كَحُكْمِ مُعَاقَدَةِ الْكَافِرِ، وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَتْ،) هَذَا يَجْرِي فِي الْكَافِرِ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُ الْقَلْعَةِ) أَيْ: لِأَنَّهُ قَالَ: عَلَى قَلْعَةِ كَذَا، وَالتَّعْيِينُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ قَيْدًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر سَوَاءٌ كَانَتْ الْقَلْعَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً مِنْ قِلَاعٍ مَحْصُورَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْجِزْيَةِ]

[أَرْكَانُ الْجِزْيَةَ]

(كِتَابُ الْجِزْيَةِ) عَقَّبَهَا بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ مُغَيًّا بِهَا فِي الْآيَةِ م ر وَهِيَ مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ حِينَئِذٍ شُبْهَةٌ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهِ مُتَلَقِّيًا لَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ مُسْتَمَدٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا بِمَا يُوَافِقُ مَا يَرَاهُ؛ إذْ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَوْ اجْتِهَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ. اهـ. شَرْحُ م ر وَز ي، قَالَ الرَّشِيدِيُّ: قَوْلُهُ: لَا يُخْطِئُ أَيْ: فَهُوَ كَالنَّصِّ أَيْ: لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ. وَجَمْعُهَا جِزًى كَفِرْيَةٍ وَفِرًى بِالْفَاءِ شَوْبَرِيٌّ وَهِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِخَرَاجٍ مَجْعُولٍ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا جَزَتْ أَيْ: كَفَتْ عَنْ الْقِتَالِ، وَشَرْعًا: مَالٌ يَلْتَزِمُهُ الْكَافِرُ بِعَقْدٍ مَخْصُوصٍ ز ي، (قَوْلُهُ: تُطْلَقُ) أَيْ: شَرْعًا ع ش (قَوْلُهُ: مِنْ الْمُجَازَاةِ) ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ بِعِصْمَتِهِمْ مِنَّا وَسُكْنَاهُمْ فِي دَارِنَا فَهِيَ إذْلَالٌ لَهُمْ لِتَحْمِلَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا سِيَّمَا إذَا خَالَطُوا أَهْلَهُ وَعَرَفُوا مَحَاسِنَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ عَنْ ذَلِكَ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْقَضَاءِ) لَعَلَّهُ بِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ أَوْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَح ل: قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْقَضَاءِ تَقُولُ: جَزَيْت الدَّيْنَ أَيْ قَضَيْته. (قَوْلُهُ: أَيْ: لَا تَقْضِي) أَيْ: لَا تُغْنِي س ل قَالَ ع ش: وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِزْيَةَ أَغْنَتْهُمْ عَنْ مُحَارَبَتِنَا لَهُمْ لَكِنَّ هَذَا فِي الْمَعْنَى قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: سُنُّوا) أَيْ: اُسْلُكُوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ: طَرِيقَتَهُمْ ع ش (قَوْلُهُ: وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ) وَهْم نَصَارَى وَهْم أَوَّلُ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ح ل (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْجِزْيَةِ.

(قَوْلُهُ:، وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا كُلِّفَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ سُمِّيَ ذَلِكَ صَغَارًا عُرْفًا سم وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالُوا وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ، وَيَضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ. اهـ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تِلْكَ الْأَحْكَامَ الَّتِي يَلْتَزِمُونَهَا فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي لِحُكْمِنَا الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ تَعْبِيرِهِ بِقَالُوا سم (قَوْلُهُ: عَاقِدٌ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.

(قَوْلُهُ: وَعَدَمِ صِحَّتِهَا) فِيهِ أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ التَّأْقِيتِ، وَالتَّعْلِيقِ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: مَلْزُومِ عَدَمِ صِحَّتِهَا. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمُ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَوْ نَائِبُ فَاعِلٍ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَدَمُ صِحَّتِهَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: مُؤَقَّتَةً أَوْ مُعَلَّقَةً) فَلَا يَكْفِي أُقِرُّكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» ؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ، وَكَذَا مَا شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ بِخِلَافِ مَا شِئْتُمْ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَتِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>