للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا آخَرَ مُسْلِمًا (وَتُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) لِنَفْسِهِ وَمُمَوَّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفَصْلِ كُسْوَتِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ (إنْ صَبَرَ) عَلَى الْإِضَاقَةِ (وَإِلَّا كُرِهَ) ، كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِي، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ حُمِلَتْ الْأَخْبَارُ الْمُخْتَلِفَةُ الظَّاهِرُ كَخَبَرِ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ: غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرُهَا عَلَى الْفَقْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَخَبَرِ «إنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.، أَمَّا الصَّدَقَةُ بِبَعْضِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ فَمَسْنُونٌ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُقَارِبُ الْجَمِيعَ فَالْأَوْجَهُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِ

[دَرْس] (كِتَابُ النِّكَاحِ) هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالْوَطْءُ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] لِخَبَرِ «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَأَخْبَارٌ: كَخَبَرِ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا. (سُنَّ) أَيْ: النِّكَاحُ بِمَعْنَى التَّزَوُّجُ (لِتَائِقٍ لَهُ) بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ (إنْ وَجَدَ أُهْبَتَهُ) مِنْ مَهْرٍ وَكُسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهُوَ مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالثَّانِي مَنْ يَصْبِرُ وَهَذَا الْحَمْلُ وَالْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ح ل. (قَوْلُهُ: وَفَصْلِ كِسْوَتِهِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ أَيْ: وَعَنْ كِسْوَةِ فَصْلِهِ وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَفَصْلِ كِسْوَتِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ هُمَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَيْ: تُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِنَفْسِهِ وَلِمُمَوَّنِهِ وَلِفَصْلِ كِسْوَتِهِ وَلِوَفَاءِ دَيْنِهِ. (قَوْلُهُ إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَاقَةِ) أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِ مَا عِنْدَهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْغَرَضَ أَنَّهَا تُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَحْتَاجُهُ فَلَا مَعْنَى لِصَبْرِهِ عَلَى الْإِضَاقَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ: الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: وَتُسَنُّ بِمَا فَضَلَ إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ: وَتَحْرُمُ إلَخْ. قَوْلُهُ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ إلَّا بِالْفَاضِلِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ وَتَصَدُّقُ أَبِي بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ يُخَالِفُهُ فَلْيُحْمَلْ الْغِنَى فِي الْأَوَّلِ عَلَى غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرِهَا وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ كَذَلِكَ أَيْ: غَنِيَّ النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: عَنْ ظَهْرِ غِنًى) لَفْظَةُ ظَهْرِ زَائِدَةٌ، أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ أَيْ: مَا كَانَ عَنْ غِنَى الَّذِي هُوَ كَالظَّهْرِ فِي الْقُوَّةِ اهـ. شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ.

(قَوْلُهُ: تَصَدَّقَ أَبُو بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَدُّقِ بِالْفَاضِلِ عَمَّا يَحْتَاجُهُ لَا بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ إلَخْ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) صَبَرَ أَوْ لَا

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

[دَرْسٌ] . (كِتَابُ النِّكَاحِ) وَهَلْ هُوَ عَقْدُ تَمَلُّكٍ، أَوْ إبَاحَةٍ؟ وَجْهَانِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَعَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ فَهُوَ مَالِكٌ لَأَنْ يَنْتَفِعَ لَا لِلْمَنْفَعَةِ فَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَالْمَهْرُ لَهَا اتِّفَاقًا شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ) أَيْ: يَسْتَلْزِمُ قَالَ فِي جَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ: وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ اللَّازِمُ الْمُؤَقَّتُ لِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ شَوْبَرِيٌّ. .

(قَوْلُهُ: بِلَفْظِ إنْكَاحٍ) أَيْ: بِلَفْظٍ مُشْتَقِّ إنْكَاحٍ، أَوْ مُشْتَقِّ نَحْوِهِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ وَخَرَجَ بِهِ بَيْعُ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ لَكِنْ لَا بِلَفْظِ إنْكَاحٍ، أَوْ نَحْوِهِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ) أَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ لِقَوْلِهِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ ح ل فَكَانَ الْأَوْلَى التَّفْرِيعَ بِأَنْ يَقُولَ: فَهُوَ حَقِيقَةٌ إلَخْ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا وَبِالْوَطْءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ عِنْدَهُمْ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا كَمَا نَقَلَهُ ع ن عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَنَقَلَ الثَّعَالِبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: النِّكَاحُ فَرَحُ شَهْرٍ وَغَمُّ دَهْرٍ وَوَزْنُ مَهْرٍ وَدَقُّ ظَهْرٍ، وَفَائِدَتُهُ حِفْظُ النَّسْلِ وَتَفْرِيغُ مَا يَضُرُّ حَبْسُهُ وَاسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعِ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُسَبَّبٌ عَنْ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) وَمُقَابِلُهُ عَكْسُهُ وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ) أَيْ: حَمْلًا مَجَازِيًّا وَقَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَيْ: لِقَرِينَةٍ وَهِيَ خَبَرُ إلَخْ وَلَيْسَ هَذَا الْحَمْلُ بِمُتَعَيِّنِ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْعَقْدِ وَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ مَأْخُوذًا مِنْ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُحَلِّلِ شَيْخُنَا وسم. قَوْلُهُ {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] أَيْ: حَلَّ لَكُمْ وَاسْتِعْمَالُ مَا فِي الْعَاقِلِ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ. (قَوْلُهُ لِتَائِقٍ لَهُ إنْ وَجَدَ أُهْبَتَهُ) الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعَةٌ كُلُّهَا لِلْعَقْدِ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ أَيْ: قَبُولُ التَّزْوِيجِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ وَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُ: لَهُ مِنْ رُجُوعِهِ لِلْوَطْءِ يَرُدُّهُ قَوْلُنَا: بِتَوَقَانِهِ لِلْوَطْءِ وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهَا الْعَقْدَ، أَوْ الْوَطْءَ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ بِالضَّمِيرِ الَّذِي فِي سُنَّ وَفِي أُهْبَتِهِ الْعَقْدَ وَبَلْهَ الْوَطْءَ صَحَّ لَكِنْ فِيهِ تَعَسُّفٌ شَرْحُ م ر بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ بِمَعْنَى التَّزَوُّجِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ الْمُرَكَّبِ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ، وَالْمُرَادُ بِالتَّزَوُّجِ قَبُولُ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسَنُّ لِلزَّوْجِ ز ي وَأَمَّا التَّزْوِيجُ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ فَمُتَعَلِّقٌ بِالْوَلِيِّ فَلَا قُدْرَةَ لِلزَّوْجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>