(وَكَافِرٍ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» (وَدَفْعُهَا سِرًّا وَفِي رَمَضَانَ وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ) كَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ (فَجَارٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ (أَفْضَلُ) مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلِغَيْرِ نَحْوِ قَرِيبٍ وَغَيْرِ جَارٍ؛ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَنَحْوٍ مِنْ زِيَادَتِي وَتَعْبِيرِي فِي الْجَارِ بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ فِيهِ بِالْوَاوِ؛ لِيُفِيدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى نَحْوِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ أَيْ: بُعْدًا لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الزَّكَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي الْقَرِيبِ أَلَزِمَتْ الدَّافِعَ مُؤْنَتَهُ أَمْ لَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَإِظْهَارُهَا أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَالِ الظَّاهِرِ، أَمَّا الْبَاطِنِ فَإِخْفَاءُ زَكَاتِهِ أَفْضَلُ. وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَأَمَامَ الْحَاجَاتِ، وَعِنْدَ كُسُوفٍ، وَمَرَضٍ، وَسَفَرٍ، وَحَجٍّ، وَجِهَادٍ وَفِي أَزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ فَاضِلَةٍ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَتَحْرُمُ) الصَّدَقَةُ (بِمَا يَحْتَاجُهُ) مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا (لِمُمَوَّنِهِ) مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَظُنُّ لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَسْنُونِ، فَإِنْ ظَنَّ وَفَاءَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَدْ يُسْتَحَبُّ، وَخَرَجَ بِالصَّدَقَةِ الضِّيَافَةُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهَا كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ مُؤْنَةِ مَمُونِهِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا؛ لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَمَا ذَكَرْته مِنْ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ كَثِيرِينَ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَصْبِرْ أَخْذًا مِنْ جَوَابِ الْمَجْمُوعِ عَنْ حَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ اللَّذَيْنِ نَزَلَ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] الْآيَةَ فَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ مَحَلُّهُ فِيمَنْ صَبَرَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حُرْمَةِ إيثَارِ عَطْشَانٍ عَطْشَانًا آخَرَ بِالْمَاءِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِيهِ أَيْضًا سُؤَالُ الْغَنِيِّ حَرَامٌ إنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمُمَوَّنُهُ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَسُتْرَتَهُمْ وَآنِيَةً يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا. وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ كَانَ السُّؤَالُ عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَيَسَّرٍ وَإِلَّا امْتَنَعَ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَكَافِرٍ) وَلَوْ حَرْبِيًّا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، أَوْ كَانَ فِي أَيْدِينَا، أَوْ قَرِيبًا وَإِلَّا امْتَنَعَ ح ل. (قَوْلُهُ: رَطْبَةٍ) أَيْ: حَيَّةٍ. (قَوْلُهُ: سِرًّا) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسِّرِّ فِيمَا يَظْهَرُ مَا قَابَلَ الْجَهْرَ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُعْلِمَ غَيْرَهُ بِأَنَّ هَذَا الْمَدْفُوعَ صَدَقَةٌ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ شَخْصٌ دِينَارًا مَثَلًا وَأَفْهَمَ مَنْ حَضَرَهُ أَنَّهُ عَنْ قَرْضٍ عَلَيْهِ، أَوْ عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ مَثَلًا كَانَ مِنْ قَبِيلِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ سِرًّا لَا يُقَالُ: هَذَا رُبَّمَا امْتَنَعَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا
لِمَصْلَحَةٍ
وَهِيَ الْبُعْدُ عَنْ الرِّيَاءِ، أَوْ نَحْوِهِ وَالْكَذِبُ قَدْ يُطْلَبُ لِحَاجَةٍ، أَوْ مَصْلَحَةٍ بَلْ قَدْ يَجِبُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ ز ي وَشَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَفِي رَمَضَانَ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ صَدَقَةً يَنْدُبُ لَهُ تَأْخِيرُهَا لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ بَلْ الِاعْتِنَاءُ عِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ أَجْرًا وَأَكْثَرُ فَائِدَةً شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ أَفْضَلُ) إلَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَقَصَدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَأَذَّ الْآخِذُ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ كَمَا يَحْرُمُ الْمَنُّ وَلَا أَجْرَ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْبَاطِنُ) أَيْ: فِي حَقِّ الْمَالِكِ دُونَ الْإِمَامِ أَمَّا هُوَ فَيُسَنُّ لَهُ إظْهَارُهَا مُطْلَقًا ح ل (قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) وَكَذَا أَخْذُهَا قَالَ م ر وَمَعَ حُرْمَةِ التَّصَدُّقِ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ بِمَا يَحْتَاجُهُ) يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفَصْلَ كِسْوَتِهِ وَوَفَاءَ دَيْنِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي اهـ. شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) وَلَوْ بَهِيمَةً. (قَوْلُهُ: أَوْ لِدَيْنٍ) أَيْ: وَهُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ لِلدَّيْنِ عَادَةً دُونَ نَحْوِ كِسْرَةٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ وَإِلَّا جَازَ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْفِلْسُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دِينَارًا مَثَلًا اهـ. ح ل. (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِهَا إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الضِّيَافَةَ هُنَا كَالصَّدَقَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ: لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي الْإِيعَابِ وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ وَإِنْ مَشَى جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُمَوَّنَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ غَدَاءً، أَوْ عَشَاءً لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ ضَرَرٌ أَلْبَتَّةَ وَكَانَ الضَّيْفُ مُحْتَاجًا فَحِينَئِذٍ يَتَّجِهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الضَّيْفِ عَلَى الْمُمَوَّنِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ فَاشْتِرَاطُ الْفَضْلِ فِي تَقْدِيمِ الضَّيْفِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانُوا يَتَضَرَّرُونَ بِإِيثَارِهِ عَلَيْهِمْ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ) الْأَوْلَى لِمُمَوَّنِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي ح ل قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ زِيَادَةً عَلَى صَبْرِهِ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَفِيهِ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ يَأْذَنُوا مَعَ عَدَمِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْإِضَاقَةِ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا شَبْعَانِينَ وَأَمَرَ بِتَنْوِيمِهِمْ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الصِّبْيَانِ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا شِبَاعَى وَرَأَوْا الْأَكْلَ يَأْكُلُونَ كَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ. (قَوْلُهُ فِيمَنْ لَمْ يَصْبِرْ) أَيْ: عَلَى الْإِضَاقَةِ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ جَوَابِ الْمَجْمُوعِ عَنْ حَدِيثِ إلَخْ) أَيْ: حَيْثُ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجَانِ لَهُ وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُمَا صَابِرَانِ عَلَى الْإِضَاقَةِ اهـ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ «أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ نَوِّمِي الصِّبْيَانَ وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ» اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَحَيْثُ كَانَتْ الْآيَةُ نَازِلَةً فِي شَأْنِ الضَّيْفِ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْأَخْذُ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّارِحِ الْمُجَوِّزِ لِلضِّيَافَةِ بِمَا يَحْتَاجُهُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُسَوِّي بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute