وَحَيْثُ حَلَفَ الدَّائِنُ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْمَدِينِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمَدِينُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ
[دَرْس] (بَابُ الضَّمَانِ) هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ، وَشَرْعًا يُقَالُ لِالْتِزَامِ دَيْنٍ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ أَوْ إحْضَارِ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ أَوْ بَدَنِ مَنْ يُسْتَحَقُّ حُضُورُهُ وَيُقَالُ: لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَزَعِيمًا وَكَفِيلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ»
(أَرْكَانُهُ) فِي ضَمَانِ الذِّمَّةِ خَمْسَةٌ (مَضْمُونٌ عَنْهُ وَ) مَضْمُونٌ (لَهُ وَ) مَضْمُونٌ (فِيهِ وَصِيغَةٌ وَضَامِنٌ)
(وَشَرْطٌ فِيهِ) أَيْ: فِي الضَّامِنِ (أَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ) هُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالرُّشْدِ (وَاخْتِيَارٌ) هُوَ مِنْ زِيَادَتِي فَيَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ سَكْرَانَ وَسَفِيهٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَمَحْجُورِ فَلَسٍ كَشِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ إلَّا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا تَقَاصَّ فِيهِمَا وَشَرْطُ الظَّفَرِ أَنْ يَتَعَذَّرَ أَخْذُ الْمُسْتَحِقِّ مَالَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ كَأَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَمَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ لَيْسَ مُنْكِرًا لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الظَّفَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُحْتَالِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ وَالْبَدَلُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ الْمُحْتَالِ وَصِفَتِهِ فَيَقَعُ فِيهِ التَّقَاصُّ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ تَلَفِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَذَّرَ أَخْذُ دَيْنِ الْمُحْتَالِ مِنْ الْمُحِيلِ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَيُنْكِرَ أَصْلَ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ لِلْمُحْتَالِ أَخْذُهُ بِطَرِيقِ الظَّفَرِ انْتَهَى، وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ مَعَ الْقَابِضِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَالِفُ لِزَعْمِهِ الْوَكَالَةَ وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ، وَلَمْ يُطَالِبْ هُوَ الْحَالِفَ لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ تَلِفَ مَعَهُ بِتَفْرِيطِ طَالِبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا وَبَطَلَ حَقُّهُ لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ س ل.
(قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِهِ الْمَدِينُ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ الْأَصْلِيِّ لَا بِمَا دَفَعَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ ق ل: قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ بِهِ أَيْ: بَعْدَ أَخْذِهِ.
[بَابُ الضَّمَانِ]
ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَوَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالدُّيُونِ وَمِنْ تَحَوُّلِ حَقٍّ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى وَمِنْ مُطَالَبَةِ مَنْ لَا يَكُونُ لَهُ مُطَالَبَتُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَالَ غَيْرِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْتَهُ إيَّاهُ، فَهُوَ مِنْ الضِّمْنِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَضْمُونَ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَيَكُونُ فِي ضِمْنِ ذَاتِهِ لَا مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى كَمَا يُتَوَهَّمُ لِأَنَّ أَصَالَةَ النُّونِ تَمْنَعُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَلَوْ مَعَ قَصْدِ الرُّجُوعِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِقَادِرٍ وَاثِقٍ بِنَفْسِهِ أَمِنَ غَائِلَتَهُ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: أَوَّلهُ شَهَامَةٌ أَيْ: شِدَّةُ حَمَاقَةٍ وَأَوْسَطُهُ نَدَامَةٌ وَآخِرُهُ غَرَامَةٌ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ نَظْمًا:
ضَادُ الضَّمَانِ بِصَادِ الصَّكِّ مُلْتَصِقٌ ... فَإِنْ ضَمِنْتَ فَحَاءُ الْحَبْسِ فِي الْوَسَطِ
ثُمَّ إنَّ الِالْتِزَامَ إمَّا فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَالْأَكْثَرُ أَوْ فِي الْعَيْنِ كَضَمِنْتُ مَا لَكَ عَلَيْهِ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا أَوْ فِي الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ مَعًا كَضَمِنْتُ مَا لَكَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِي وَفِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا. اهـ. ق ل
وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ أَيْ: الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَرْكَانِ الْآتِيَةِ وَفِي كَوْنِهِ عَقْدًا مُسَامَحَةً لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلْقَبُولِ فَأَطْلَقَ الْكُلَّ عَلَى جُزْئِهِ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالِالْتِزَامُ الْمُتَقَدِّمُ نَاشِئٌ عَنْ الْعَقْدِ فَالضَّمَانُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَأَثَرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَغَيْرَ ذَلِكَ) كَحَمِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّ الْأَوَّلَ بِالْمَالِ مُطْلَقًا وَالزَّعِيمَ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ وَالْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَالْحَمِيلَ بِالدِّيَةِ وَالصَّبِيرَ يَعُمُّ الْكُلَّ، وَمِثْلُهُ الْقَبِيلُ ح ل وم ر وَقِ ل.
قَوْلُهُ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» لَفْظُ الْحَدِيثِ «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» أَيْ: مَرْدُودَةٌ «وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ الدَّيْنَ مُقْتَضًى» أَيْ مُوَفًّى اهـ سم ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: تُحْمَلُ عَنْ رَجُلٍ) وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ ع ش.
(قَوْلُهُ: فِي ضَمَانِ الذِّمَّةِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَشُرِطَ فِي الْمَضْمُونِ فِيهِ ثُبُوتُهُ إلَخْ إذْ لَوْ أَرَادَ بِالْمَضْمُونِ مَا يَشْمَلُ الْعَيْنَ لَمْ يَتَأَتَّ فِيهَا ذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى بَعْضٍ تَأَمَّلْ، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا خَمْسَةً يَجْرِي فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ وَالْبَدَنِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَمَضْمُونٌ فِيهِ) ، وَهُوَ الدَّيْنُ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى حَذْفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ لَا مَضْمُونَ فِيهِ. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْمَضْمُونَ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الدَّيْنِ وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اهـ وَأَقُولُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُقَالُ لَهُ: مَضْمُونٌ عَنْهُ لَا مَضْمُونَ فَالتَّمْيِيزُ حَاصِلٌ
. (قَوْلُهُ: وَشَرْطٌ فِيهِ أَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ فِيهَا ح ل. (قَوْلُهُ: هُوَ أَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ السَّفِيهَ بَعْدَ رُشْدِهِ الَّذِي لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ أَهْلُ تَبَرُّعٍ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ سَكْرَانَ) أَيْ: مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ وَلَوْ ضَمِنَ حَالَ سُكْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي عَدَمِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ح ل. (قَوْلُهُ: وَمَحْجُورِ فَلَسٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى سَكْرَانَ فَيَكُونُ مَجْرُورًا وَلَكَ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ