للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ كَبِيرَةٍ وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ فَلَا يُقَاتَلُونَ) وَلَا يُفَسَّقُونَ (مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا) نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا (قُوتِلُوا وَلَا يَجِبُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ) وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ.

وَفِيهِمَا عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ فَإِنْ قَيَّدَ بِمَا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَلَا خِلَافَ

(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بُغَاةٍ) لِتَأْوِيلِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ كَالْخَطَّابِيَّةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ كَمَا يُعْلَمُ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ (وَ) يُقْبَلُ (قَضَاؤُهُمْ فِيمَا يُقْبَلُ) فِيهِ (قَضَاؤُنَا) لِذَلِكَ (إنْ عِلْمنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا) وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا قَضَاؤُهُمْ لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي، وَتَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِعِلْمِ مَا ذُكِرَ مَعَ قَوْلِي وَأَمْوَالَنَا مِنْ زِيَادَتِي وَخَرَجَ بِمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاؤُنَا غَيْرَهُ كَأَنْ حَكَمُوا بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَلَا يُقْبَلُ (وَلَوْ كَتَبُوا بِحُكْمٍ أَوْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَلَنَا تَنْفِيذُهُ) أَيْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ أُمْضِيَ وَالْحَاكِمُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ (وَ) لَنَا (الْحُكْمُ بِهَا) أَيْ بِبَيِّنَتِهِمْ لِتَعَلُّقِهِ بِرَعَايَانَا نَعَمْ يُنْدَبُ لَنَا عَدَمُ التَّنْفِيذِ وَالْحُكْمِ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ (وَيُعْتَدُّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ مِنْ عُقُوبَةِ) حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ (وَخَرَاجٍ وَزَكَاةٍ وَجِزْيَةٍ) لِمَا فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّعِيَّةِ (وَ) يُعْتَدُّ (بِمَا فَرَّقُوهُ مِنْ سَهْمِ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ (وَحَلَفَ) الشَّخْصُ نَدْبًا إنْ أُتْهِمَ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ لَا وُجُوبًا وَإِنْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ هُنَا (فِي) دَعْوَى (دَفْعِ زَكَاةٍ لَهُمْ) فَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ (لَا) فِي دَعْوَى دَفْعِ (خَرَاجٍ) فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ (أَوْ) دَفْعُ (جِزْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ فِيمَا يَدَّعِيهِ عَلَيْنَا لِلْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَوَارِجُ) وَهْم صِنْفٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ قَائِلُونَ بِأَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبَطَ عَمَلُهُ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ وَأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ ز ي (قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ) أَيْ لَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً عَزِيزِيٌّ وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمَّا أَقَرُّوا عَلَى الْمَعَاصِي كَفَرُوا بِزَعْمِهِمْ فَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ (قَوْلُهُ: فَلَا يُقَاتَلُونَ) فَإِنْ قُلْتَ تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ يُوجِبُ الْقِتَالَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَاتِ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ وَإِنْ قُوتِلُوا مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ اهـ. ز ي وَخَضِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُفَسَّقُونَ) بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ ذَمِّهِمْ وَوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ كَكَوْنِهِمْ كِلَابَ أَهْلِ النَّارِ الْحُكْمُ بِفِسْقِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا وَأَثِمُوا بِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اقْتِضَاءَ أَكْثَرِ تَعَارِيفِ الْكَبِيرَةِ فِسْقَهُمْ لِوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ أَيْ مُبَالَاتِهِمْ بِالدِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ اهـ. شَرْحُ م ر بِاخْتِصَارٍ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) أَيْ فَإِنْ قَاتَلُوا فُسِّقُوا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَبِتَقْدِيرِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَهْم فِي قَبْضَتِنَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ ز ي وَهُوَ قَيْدٌ ثَانٍ فِي قَوْلِهِ فَلَا يُقَاتَلُونَ فَالَأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَنَفْيُ الْقِتَالِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ (قَوْلُهُ: تَعَرَّضْنَا لَهُمْ) وَلَوْ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَكُونُوا) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهْم فِي قَبْضَتِنَا قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ فَلَا يُقَاتَلُونَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْبُغَاةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا إلَخْ لَكِنْ سِيَاقُهُ يَدُلّ عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْخَوَارِجِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الْأَصْلُ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ) أَيْ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ ع ش

[شَهَادَةُ الْبُغَاة]

(قَوْلُهُ: بِتَصْدِيقِهِمْ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَشْهَدُونَ لِمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ بِسَبَبِ تَصْدِيقِهِمْ لَهُ أَيْ اعْتِقَادِهِمْ صِدْقَهُ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ لِتَأْوِيلِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَوْ عَلَى احْتِمَالٍ بِأَنْ لَمْ نَدْرِ أَنَّهُمْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ أَوْ لَا اهـ. تُحْفَةٌ شَوْبَرِيٌّ أَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَهَا اهـ. قَالَ م ر وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إذَا اسْتَحَلُّوهُ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا وَإِتْلَافِ أَمْوَالِنَا وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِحْلَالٌ خَارِجَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَكُلُّ الْبُغَاةِ يَسْتَحِلُّونَهَا حَالَةَ الْحَرْبِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ مُسْتَحِلِّ الدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْقَاضِي كَالشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُؤَوِّلِ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ.

(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ) كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ بِاسْتِحْلَالِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا حَيْثُ قَالَ لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِانْتِفَاءِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ح ل لِتَأْوِيلِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَنَا الْحُكْمُ بِهَا) أَيْ جَوَازًا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَهُ ق ل وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: وَلَنَا الْحُكْمُ بِهَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُنْدَبُ لَنَا عَدَمُ التَّنْفِيذِ) مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْغَيْرِ أَوْ ضَيَاعُ حَقٍّ لَهُ ز ي (قَوْلُهُ: وَيُعْتَدُّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>