(كِتَابُ الزِّنَا)
بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ
وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِي (يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مُلْتَزِمٍ) وَلَوْ حُكْمًا لِلْأَحْكَامِ (عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ) مُتَّصِلَةٍ مِنْ حَيٍّ (أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ فَاقِدِهَا (بِفَرْجٍ) قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلَا شُبْهَةٍ وَلَوْ مُكْتَرَاةً) لِلزِّنَا (وَمُبِيحَةً) لِلْوَطْءِ (وَمُحَرَّمًا) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (وَإِنْ) كَانَ (تَزَوَّجَهَا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الزِّنَا]
دَرْسٌ] (كِتَابُ الزِّنَا) أَيْ بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَحُكْمِهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْقَتْلِ وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَهِيَ حِفْظُ النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ وَلِذَا شُرِعَتْ هَذِهِ الْحُدُودُ حِفْظًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ فَشُرِعَ الْقِصَاصُ حِفْظًا لِلنَّفْسِ فَإِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ وَشُرِعَ قَتْلُ الرِّدَّةِ حِفْظًا لِلدِّينِ فَإِذَا عَلِمَ شَخْصٌ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الرِّدَّةِ وَشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا زَنَى جُلِدَ أَوْ رُجِمَ انْكَفَّ عَنْ الزِّنَا وَشُرِعَ حَدُّ الشُّرْبِ حِفْظًا لِلْعَقْلِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ حُدَّ انْكَفَّ عَنْ الشُّرْبِ وَشُرِعَ حَدُّ السَّرِقَةِ حِفْظًا لِلْمَالِ فَإِذَا عَلِمَ السَّارِقُ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ انْكَفَّ عَنْ السَّرِقَةِ تَأَمَّلْ ز ي وَشُرِعَ حَدُّ الْقَذْفِ حِفْظًا لِلْعِرْضِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ حُدَّ امْتَنَعَ مِنْ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ) وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ التَّنْزِيلُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا ذُكِرَ إلَخْ) أَيْ فَيُقَالُ فِي تَعْرِيفِهِ شَرْعًا هُوَ إيلَاجُ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لَعَيْنِهِ مُشْتَهًى طَبْعًا بِلَا شُبْهَةٍ كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ قُيُودٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَفْهُومَ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ لَا بِغَيْرِ إيلَاجٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: يَجِبُ الْحَدُّ) مَعْنَاهُ لُغَةً الْمَنْعُ لِمَنْعِهِ الْفَاحِشَةَ قَالَ ع ش وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ مِائَةَ مُرَّةٍ مَثَلًا حَيْثُ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ فَيَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) لِلرَّدِّ عَلَى الْبُلْقِينِيِّ الْقَائِلِ إنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْقِنِّ الْكَافِرِ الْمَمْلُوكِ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ بِالذِّمَّةِ فَهُوَ كَالْمُعَاهَدِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ حُكْمًا ز ي وَعِبَارَةُ ح ل، وَقَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا لِإِدْخَالِ الْكَافِرِ الْقِنِّ الْمَمْلُوكِ لِكَافِرٍ وَلِإِدْخَالِ نِسَاءِ الذِّمِّيِّينَ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: حَشَفَةٍ) وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ أَشَلَّ وَلَوْ بِحَائِلٍ غَلِيظٍ وَلَوْ غَيْرِ مُنْتَشِرٍ وَلَوْ مِنْ طِفْلٍ ح ل (قَوْلُهُ: مِنْ فَاقِدِهَا) خَرَجَ مَا لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ مَعَ وُجُودِهَا فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ كَإِدْخَالِ بَعْضِ أُصْبُعٍ (قَوْلُهُ: بِفَرْجٍ) وَلَوْ فَرْجِ نَفْسِهِ بِأَنْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِهِ، وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ إدْخَالَ ذَكَرِهِ فِي ذَكَرِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ فَرْجٌ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ جِنِّيَّةً حَيْثُ تَحَقَّقَتْ أُنُوثَتُهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ لَا يَنْفِرُ مِنْهَا النَّفْرَ الْكُلِّيَّ حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ الْجِنِّ وَأَنَّهَا أُنْثَى ع ش وَقَالَ حَجّ لَا حَدَّ بِوَطْئِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَنْفِرُ مِنْهَا حِينَئِذٍ وَأَيْضًا فَهِيَ غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ طَبْعًا كَالْبَهِيمَةِ وَكَلَامُهُ وَجِيهٌ وَفِيهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ زِنَا الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْإِيلَاجِ الْأَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَصْدَرَ أَوْلَجَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ مَصْدَرَ أُوْلِجَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ح ل (قَوْلُهُ: أَوْ أُنْثَى) أَيْ وَلَوْ صَغِيرَةً وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لَمْسُهَا الْوُضُوءَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَعْنَى الشَّهْوَةِ طَبْعًا هُنَا غَيْرُهُ ثَمَّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مُشْتَهًى وَلَوْ بِاعْتِبَارِ نَوْعِهِ لِإِدْخَالِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَهُنَاكَ كَوْنُ الْمَلْمُوسِ مُشْتَهًى بِاعْتِبَارِ شَخْصِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ شَخْصُهُ مُشْتَهًى أَيْ نَفْسُهُ.
(قَوْلُهُ: مُشْتَهًى طَبْعًا) رَاجِعٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِكُلٍّ مِنْ الْحَشَفَةِ وَالْفَرْجِ وَإِنْ أَوْهَمَ صَنِيعُهُ خِلَافَهُ شَرْحُ م ر وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُشْتَهًى وَلَوْ بِاعْتِبَارِ نَوْعِهِ فَدَخَلَ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ (قَوْلُهُ: بِلَا شُبْهَةٍ) شَامِلٌ لِشُبْهَةِ الْمَحَلِّ وَالْفَاعِلِ وَالطَّرِيقِ وَقَدْ اسْتَوْفَاهَا الْمُصَنِّفُ فَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ كَوَطْءِ دُبُرِ حَلِيلَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَشُبْهَةُ الْفَاعِلِ كَوَطْءِ الْمُكْرَهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكْتَرَاةً) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَدَّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُبْهَةٌ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شُبْهَةً لَثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا يَثْبُتُ اتِّفَاقًا فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يُرَاعِ خِلَافَهُ هُنَا كَمَا مَرَّ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؟ أُجِيبَ بِضَعْفِ مُدْرَكِهِ هُنَا س ل (قَوْلُهُ: أَوْ مُبِيحَةً) رَدٌّ عَلَى عَطَاءٍ أَيْ حَيْثُ قَالَ يُبَاحُ الزِّنَا بِالْإِبَاحَةِ وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ إنَّهُ مَكْذُوبٌ عَنْهُ فَالْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَا لِلرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا) أَيْ الْمَحْرَمُ أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ الْعَقْدُ بِشُبْهَةٍ قَالَ س ل فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَقْدِ شُبْهَةٌ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ صَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute