فِي غَيْرِ الْأَمِينِ لَكِنَّهُ يَغْرَمُ الْبَدَلَ.
(كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ) الْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ، وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ، إذَا رَجَعَ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَالِ الرَّاجِعِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَيْنَا، وَالْغَنِيمَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الرِّبْحُ، وَالْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَطْفِ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ إذَا أُفْرِدَ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا، كَالْفَقِيرِ، وَالْمِسْكِينِ، وَقِيلَ: الْفَيْءُ يُطْلَقُ عَلَى الْغَنِيمَةِ دُونَ الْعَكْسِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ آيَةُ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: ٧] وَآيَةُ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] . وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَلْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ إذَا غَنِمُوا مَالًا جَمَعُوهُ، فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْخُذُهُ، ثُمَّ أُحِلَّتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاتِلِينَ كُلِّهِمْ نُصْرَةً وَشَجَاعَةً، بَلْ أَعْظَمُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَأْتِي (الْفَيْءُ نَحْوُ مَالٍ) كَكَلْبٍ يَنْفَعُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: مَالٍ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) مِمَّا هُوَ لَهُمْ (بِلَا إيجَافٍ) أَيْ إسْرَاعِ خَيْلٍ، أَوْ إبِلٍ، أَوْ بِغَالٍ، أَوْ سُفُنٍ، أَوْ رَجَّالَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: إيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ؛ لِمَا عُرِفَ وَلِدَفْعِ إيرَادِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ دَارِهِمْ سَرِقَةً، أَوْ لُقَطَةً غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ، مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَيْءٌ فَتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَوْ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُكْتَرِيَ وَالْمُرْتَهِنَ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأَمِينِ) كَالْغَاصِبِ م ر
[كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ]
(كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ) ذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ الْأَمْوَالِ لَيْسَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَوَدِيعَةٍ سَبِيلُهَا الرَّدُّ إلَى مَالِكِهَا ز ي مُلَخَّصًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَذِكْرُ هَذَا الْكِتَابِ هُنَا كَمَا صَنَعَ الْمُصَنِّفُ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِهِ عَقِبَ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا تَحْتَ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ الْأَمْوَالِ لَيْسَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَهُمْ كَوَدِيعٍ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ لِغَيْرِهِ سَبِيلُهُ الرَّدُّ إلَيْهِ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ عَقِبَ الْوَدِيعَةِ؛ لِمُنَاسَبَتِهِ لَهَا لَا يُقَابَلُ بَلْ هُمْ كَالْغَاصِبِ فَيَكُونُ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْغَاصِبِ وَإِنْ صَحَّ مِنْ وَجْهٍ لَكِنْ فِيهِ تَكَلُّفٌ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَالِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ الْآتِي لِرُجُوعِهِ إلَيْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَصْدَرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ، أَوْ اسْمِ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى طَاعَتِهِ فَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ عَصَاهُ وَسَبِيلُهُ أَيْ: سَبِيلُ مَالِهِ الرَّدُّ إلَى مَنْ يُطِيعُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَعْنَى الرُّجُوعِ إلَيْنَا الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ أَيْ: لِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ إلَخْ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَالْغَنِيمَةُ فَعِيلَةٌ) وَالتَّاءُ هُنَا وَاجِبَةُ الذِّكْرِ. لَا يُقَالُ فَعِيلٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إذَا جَرَى عَلَى مَوْصُوفِهِ نَحْوُ رَجُلٌ قَتِيلٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى مَوْصُوفِهِ فَالتَّأْنِيثُ وَاجِبٌ دَفْعًا لِلِالْتِبَاسِ نَحْوُ: مَرَرْت بِجَرِيحِ بَنِي فُلَانٍ وَجَرِيحَةِ بَنِي فُلَانٍ قُلْت: وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَالْغَنِيمَةُ الْآنَ اسْمٌ لِلْمَالِ فَهِيَ بِهَذَا الْوَضْعِ يَجِبُ ذِكْرُ التَّاءِ لِأَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ هَكَذَا شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الرِّبْحُ) لِرِبْحِ الْمُسْلِمِينَ مَالَ الْكُفَّارِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ يُطْلَقُ عَلَى الْغَنِيمَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَيْنَا م ر وَقَوْلُهُ: دُونَ الْعَكْسِ أَيْ: فَهِيَ أَخَصُّ وَخَالَفَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَقَالَ وَقِيلَ: عَكْسُ هَذَا أَيْ: تُطْلَقُ الْغَنِيمَةُ عَلَى الْفَيْءِ دُونَ عَكْسِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا يَعُمُّ الْفَيْءَ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ) فَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي» بِرْمَاوِيٌّ. وَيَجُوزُ فِي الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فِي الْحَدِيثِ ضَمُّ التَّاءِ وَفَتْحُ الْحَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُ الْحَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ أَكْثَرُ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إذَا غَنِمُوا مَالًا) أَيْ: غَيْرَ الْحَيَوَانِ ح ل وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَكَانَ لِلْغَانِمِينَ ع ش أَيْ: دُونَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي ح ل فِي السِّيرَةِ (قَوْلُهُ: تَأْخُذُهُ) أَيْ: تَحْرَقُهُ فِي مَوْضِعِهِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَالْمُقَاتِلِينَ) أَيْ: فَكَأَنَّهُ الْمُقَاتِلُ وَحْدَهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ تَعْلِيلَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ لَا أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَنَا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا أَخَذَهُ ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا وَس ل. (قَوْلُهُ مِنْ كُفَّارٍ) خَرَجَ بِهِ مَا أُخِذَ مِنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهِ كَصَيْدِ دَارِهِمْ وَحَشِيشِهَا فَإِنَّهُ كَمُبَاحِ دَارِنَا، وَكَالْكُفَّارِ هُنَا وَفِي الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ لَهُمْ) بَدَلٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ، أَوْ الذِّمِّيِّينَ فَإِنَّ عُرِفَ صَاحِبُهُ أُعْطِيَ لَهُ وَإِلَّا فَمَالٌ ضَائِعٌ شَوْبَرِيُّ. فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ أَرْبَعَةٌ: اثْنَانِ فِي الْمَتْنِ وَاثْنَانِ فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا) كَالْفِيلَةِ (قَوْلُهُ: وَرِكَابٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ أَيْ: الْإِبِلُ كَمَا فُسِّرَ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: ٦] أَيْ: مَرْكُوبٍ مِنْ الْإِبِلِ شَيْخُنَا وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ مِنْ مَعْنَاهُ وَهُوَ رَاحِلَةٌ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ أَوْلَى) أَيْ: وَأَعَمُّ فَقَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ أَيْ: مِنْ التَّعْمِيمِ عِلَّةٌ لِلْعُمُومِ وَقَوْلُهُ وَلِدَفْعِ إلَخْ عِلَّةٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ. (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ.) قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ تَأَمَّلْ وَفَلْيُتَأَمَّلْ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لِمَا إذَا كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَوِيًّا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِفَلْيُتَأَمَّلْ ع ش عَلَى م ر وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: بِلَا إيجَابٍ شَامِلٌ لِلْمَأْخُوذِ سَرِقَةً، أَوْ لُقَطَةً مَعَ أَنَّهُمَا