للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ قَدْ يَرِدُ مَا أَهْدَاهُ الْكَافِرُ لَنَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ مَعَ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْفَيْءِ عَلَيْهِ (كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا) أَيْ: تَفَرَّقُوا (عَنْهُ) وَلَوْ لِغَيْرِ خَوْفٍ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ خِلَافَهُ.

(وَتَرِكَةِ مُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ مَعْصُومٍ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَذِمِّيٍّ (لَا وَارِثَ لَهُ) وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ وَارِثٍ لَهُ غَيْرُ حَائِزٍ. (فَيُخَمَّسُ) خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَخْمِيسٌ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي آيَةِ الْغَنِيمَةِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمُسَ خُمُسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمُسُ خُمُسٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَصَالِحِنَا، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ، كَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلِي (وَخُمُسُهُ) أَيْ: الْفَيْءِ الْخَمْسَةِ (لِمَصَالِحِنَا) دُونَ مَصَالِحِهِمْ (كَثُغُورٍ) أَيْ: سَدِّهَا (وَقُضَاةٍ وَعُلَمَاءَ) بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا كَتَفْسِيرٍ، وَقِرَاءَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ، أَمَّا قُضَاتُهُ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.

(يُقَدَّمُ) وُجُوبًا (الْأَهَمُّ) فَالْأَهَمُّ (وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَ) بَنِي (الْمُطَّلِبِ) وَهُمْ الْمُرَادُونَ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ مَعَ سُؤَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَمَّيْهِمْ نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ لَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

غَنِيمَةٌ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّهُ فَيْءٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْمَأْخُوذُ فِيهِ إيجَافٌ حُكْمًا بِتَنْزِيلِ مُخَاطَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَدُخُولِهِ دَارَهُمْ لِلسَّرِقَةِ، أَوْ مَشْيِهِ بِجِوَارِهِمْ لِلُّقَطَةِ مَنْزِلَةَ الْإِيجَافِ الْحَقِيقِيِّ فَيَكُونُ غَنِيمَةً شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَقِيلَ: لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيجَافَ شَامِلًا لِإِيجَافِ الرَّجَّالَةِ فَيَكُونُ شَامِلًا لِمَا ذُكِرَ. وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِإِمْكَانِ الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اقْتَصَرَ عَلَى الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ اقْتِدَاءً بِآيَةِ الْحَشْرِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ قَدْ يَرِدُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْلَى وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْمَتْنِ وَالْأَصْلِ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِقَدْرِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ إيرَادِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُصُولِ لَنَا الْحُصُولُ قَهْرًا أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ وَالْمُهْدَى الْمَذْكُورُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا شَوْبَرِيٌّ.

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا حَصَلَ لَنَا بِلَا صُورَةِ عَقْدٍ، وَالْهَدِيَّةُ بِصُورَةِ عَقْدٍ فَلَا يَصْدُقُ تَعْرِيفُ الْفَيْءِ عَلَيْهَا فَلَا تَكُونُ فَيْئًا وَلَا غَنِيمَةً كَمَا فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ إلَخْ) بَلْ هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْحَرْبِ) وَأَمَّا مَا أَهْدَوْهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقِتَالِ س ل وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَمَا جَلَوْا عَنْهُ) أَيْ: قَبْلَ تَقَابُلِ الْجَيْشَيْنِ أَمَّا مَا جَلَوْا عَنْهُ بَعْدَ التَّقَابُلِ فَغَنِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ التَّقَابُلُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ حُصُولِ الْقِتَالِ فَلَمْ يُرَدَّ حَجّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِغَيْرِ خَوْفٍ) كَأَنْ تَعِبَتْ دَوَابُّهُمْ س ل. (قَوْلُهُ كَضُرٍّ أَصَابَهُمْ) وَلَوْ مِنْ كُفَّارٍ آخَرِينَ. (قَوْلُهُ: هُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَذِمِّيٌّ) لِشُمُولِهِ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْفَاضِلُ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ عَلَى الْأَوْجَهِ كَالْمُسْلِمِ شَرْحُ الْفُصُولِ. وَعِبَارَةُ سم وَهَلْ شَرْطُ هَذَا انْتِظَامُ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْفُصُولِ لِلشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ بِالرَّدِّ وَبِإِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْتَمَدَ س ل أَنَّ الرَّدَّ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: فَيُخَمَّسُ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِمْ: يُصْرَفُ جَمِيعُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ شَرْحُ م ر وَانْظُرْ بِمَاذَا يُجِيبُونَ عَنْ الْآيَةِ. وَأَجَابَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ وَقَدْ أَخَذُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ جَمِيعَ الْفَيْءِ يُصْرَفُ لِلْمَذْكُورِينَ فِي آيَتِهِ وَيَدُلُّ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْغَنِيمَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا رَاجِعٌ إلَيْنَا مِنْ الْكُفَّارِ وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ ع ن. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَخْمِيسٌ) أَيْ: ذِكْرُهُ. (قَوْلُهُ يَقْسِمُ لَهُ) أَيْ: لِنَفْسِهِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَكِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بَلْ كَانَ يَتْرُكُهَا مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا عَبْدُ الْبَرِّ وَبِرْمَاوِيٌّ. فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَخُمْسَ خُمُسِهِ) كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَيَدَّخِرُ مِنْهُ مُؤْنَةَ سَنَةٍ وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي الْمَصَالِحِ كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا: وَكَانَ لَهُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ الْآتِيَةُ فَجُمْلَةُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَانَ يَصْرِفُ الْعِشْرِينَ لِلْمَصَالِحِ قِيلَ: وُجُوبًا وَقِيلَ: نَدْبًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: بَلْ كَانَ الْفَيْءُ كُلُّهُ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا خُمِّسَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي آخِرِهَا شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: أَيْ: سَدَّهَا) أَيْ: شَحَنَهَا بِالْغُزَاةِ وَآلَةِ الْحَرْبِ وَالثُّغُورِ مَوَاضِعِ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تَلِيهَا بِلَادُ الْمُشْرِكِينَ (قَوْلُهُ: وَقُضَاةٍ) وَقَدْرُ الْمُعْطَى لِكُلٍّ مَنُوطٌ بِرَأْيِ الْإِمَامِ س ل. (قَوْلُهُ وَعُلَمَاءَ) وَلَوْ أَغْنِيَاءَ وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِلْمِ وَلَوْ مُبْتَدِئِينَ ح ل فَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَعَمُّ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ) وَأَهَمُّهَا سَدُّ الثُّغُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظًا لِلْمُسْلِمِينَ س ل. (قَوْلُهُ لِاقْتِصَارِهِ) وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا فَلَمَّا بُعِثَ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ بِخِلَافِ بَنِي الْآخَرِينَ، بَلْ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَشِقَّاءٌ وَنَوْفَلٌ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ وَعَبْدُ شَمْسٍ هُوَ جَدُّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ س ل اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>