ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ، فَهَلْ تَأْخُذُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ الزَّوْجِ؟ ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَرْجِيحَ الثَّانِي، وَذِكْرُ التَّحْلِيفِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى رَجْعَةً، وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ، وَفِيمَا لَوْ سُبِقَ دَعْوَى الزَّوْجِ وَفِيمَا لَوْ ادَّعَيَا مَعًا مِنْ زِيَادَتِي
. (وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا) أَيْ: الرَّجْعَةَ (ثُمَّ اعْتَرَفَتْ قُبِلَ) اعْتِرَافُهَا كَمَنْ أَنْكَرَ حَقًّا، ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِنْهَا نَقِيضُهُ؟
(كِتَابُ الْإِيلَاءِ)
هُوَ لُغَةً الْحَلِفُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ وَخَصَّهُ بِمَا فِي آيَةِ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] ، فَهُوَ شَرْعًا: حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ، وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ (أَرْكَانُهُ) سِتَّةٌ (مَحْلُوفٌ بِهِ وَ) مَحْلُوفٌ (عَلَيْهِ وَمُدَّةٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَانِ، وَشُرِطَ فِيهِمَا تَصَوُّرُ وَطْءٍ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَصِحَّةُ طَلَاقٍ) مِنْ الزَّوْجِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ كَافِرًا أَوْ سَكْرَانَ أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ مَرِيضَةً أَوْ صَغِيرَةً يُتَصَوَّرُ وَطْؤُهَا فَبِمَا قَدَّرَهُ مِنْ الْمُدَّةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا قَدْرُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَلَا مِمَّنْ شَلَّ أَوْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، لِفَوَاتِ قَصْدِ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا لِامْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَإِنْ نَكَحَ مَنْ حَلَفَ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ مَحْضُ يَمِينٍ، وَلَا مِنْ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ لِمَا مَرَّ فِي الْمَشْلُولِ وَالْمَجْبُوبِ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّجْعَةِ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ، فَالْمُرَادُ تَصَوُّرُ الْوَطْءِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى رَجْعَةٍ.
(وَ) شُرِطَ (فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ كَوْنُهُ اسْمًا أَوْ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى) كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا أَطَؤُك
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِإِقْرَارِهَا بِالرَّجْعَةِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا فَإِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ بِلَا عَقْدٍ عَمَلًا بِإِقْرَارِهَا وَاسْتَرَدَّتْ مِنْهُ مَا غَرِمَتْهُ لَهُ، فَإِذَا أَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً، وَهِيَ فِي عِصْمَةِ الثَّانِي أَنَّهُ رَاجَعَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُ الثَّانِي تَأَمَّلْ
. (قَوْلُهُ: تَرْجِيحُ الثَّانِي) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ مِنْ تَقْيِيدِهِ قَاعِدَةَ الْإِقْرَارِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهَا، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إقْرَارٍ جَدِيدٍ
. (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَقْبَلُ إلَخْ) وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِنَفْيٍ أَيْ: بِشَيْءٍ كَانَ مَنْفِيًّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الرَّجْعَةُ فَقَدْ يَصْدُرُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خِلَافُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِمُثْبَتٍ كَرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ بِهِ إلَّا عَنْ يَقِينٍ.
[كِتَابُ الْإِيلَاءِ]
. (كِتَابُ الْإِيلَاءِ) . مَصْدَرُ آلَى يُولِي إيلَاءً أَيْ: حَلَفَ وَذَكَرَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَعَقِبَ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الْمُولَى مِنْهَا كَالرَّجْعِيَّةِ فِي مُدَّةِ الْإِمْهَالِ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِهِ مِنْ قُرْبَانِهَا. (قَوْلُهُ: وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ: لَا رَجْعَةَ فِيهِ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ: حُكْمُهُ) وَهُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ. (قَوْلُهُ: وَخَصَّهُ) فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّخْصِيصِ مُسَامَحَةً إذْ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا فَرْدٌ مِمَّا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لَهُ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالنَّقْلِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: بِمَا فِي آيَةِ إلَخْ) أَيْ: مِنْ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: مِنْ نِسَائِهِمْ) وَإِنَّمَا عُدِّيَ فِيهَا بِمِنْ وَهُوَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِعَلَى لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ كَأَنَّهُ قِيلَ يُؤْلُونَ مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ وَقِيلَ مِنْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يَحْلِفُونَ بِسَبَبِ نِسَائِهِمْ وَقِيلَ بِمَعْنَى عَلَى وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي عَلَى حَذْفِ مُضَافَيْنِ فِيهِمَا أَيْ: عَلَى تَرْكِ وَطْءٍ أَوْ فِي تَرْكِ وَطْءٍ وَقِيلَ مِنْ زَائِدَةٌ أَيْ: وَاَلَّذِينَ يَعْتَزِلُونَ نِسَاءَهُمْ أَوْ أَنَّ آلَى يَتَعَدَّى بِعَلَى وَبِمِنْ ثُمَّ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ: إنَّهُ يُقَالُ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ عَلَى امْرَأَتِهِ شَوْبَرِيُّ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ شَرْعًا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَخَصَّهُ بِمَا فِي آيَةِ، وَأُخِذَ الْحَلِفُ مَنْ يُؤْلُونَ وَتَرْكُ الْوَطْءِ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَوْ أَكْثَرَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] لِصِدْقِهِ بِمَا إذَا أَطْلَقُوا أَوْ زَادُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ زَوْجٌ أَيْ: يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَيُمْكِنُ وَطْؤُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَيْ: الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ وَالْحَلِفُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً مَثَلًا، وَقَوْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ تَعْلِيقُهُ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فَلَا يَرِدُ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ فَالتَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ جَامِعٌ مَانِعٌ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ حَرَامٌ) أَيْ كَبِيرَةٌ قِيَاسَا عَلَى الظِّهَارِ شَوْبَرِيُّ وح ل، وَقَالَ ع ش الْأَقْرَبُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ. (قَوْلُهُ تَصَوُّرُ وَطْءٍ) أَيْ: إمْكَانُهُ حِسًّا وَشَرْعًا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ) هَذَا مَفْهُومُ الشَّرْطِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَلَا مِمَّنْ شَلَّ إلَخْ مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجِ قَالَ ح ل وَالْأَشَلُّ مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ مُنْبَسِطٌ لَا يَنْقَبِضُ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَهَلَّا اكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْوَطْءُ بِهِ كَلَا وَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَوْدِ لَا يُلْتَذُّ بِهِ فَحَرِّرْهُ وَقَوْلُهُ: شَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ: قَامَ بِهِ شَلَلٌ وَالضَّمُّ لُغَةٌ ع ن. (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ رَتْقَاءَ وَقَرْنَاءَ) مَفْهُومُ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِالنَّظَرِ لِلزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ مَفْهُومُ الرُّكْنِ وَفِيهِ أَنَّ شَأْنَ الرُّكْنِ لَا يُخْرَجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ الْمُحَقِّقِ لَهَا تَأَمَّلْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَشَرْطُ الْمُولِي أَنْ يَكُونَ زَوْجًا. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ فِي الْمَشْلُولِ وَالْمَجْبُوبِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِزَوَالِ الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ لِعَدَمِ قَصْدِ الْإِيذَاءِ وَقْتَ الْحَلِفِ