تَبَيَّنَّا خِلَافَ مَا ظَنَنَّاهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ نَعَمْ إنْ تَمَحَّضَ الْمُسْلِمُونَ بِالدَّارِ لَمْ يُقَرَّ عَلَى كُفْرِهِ قَطْعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْمَجْنُونِ مُطْلَقًا مَعَ ذِكْرِ حُكْمِ الصَّبِيِّ فِيمَا لَوْ كَفَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِالنِّسْبَةِ لِتَبِيعَةِ السَّابِي مِنْ زِيَادَتِي، وَتَعْبِيرِي بِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ وَرِقِّهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ (اللَّقِيطُ حُرٌّ) وَإِنْ ادَّعَى رِقَّهُ لَاقِطٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ أَحْرَارٌ (إلَّا أَنْ تُقَامَ بِرِقِّهِ بَيِّنَةٌ مُتَعَرِّضَةٌ لِسَبَبِ الْمِلْكِ) كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ فَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الشَّاهِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَفَارَقَ غَيْرَهُ كَثَوْبٍ وَدَارٍ بِأَنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطَرٌ فَاحْتِيطَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمَالَ مَمْلُوكٌ فَلَا تُغَيِّرُ دَعْوَاهُ وَصْفَهُ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا (أَوْ يُقِرُّ بِهِ) بَعْدَ كَمَالِهِ (وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُقَرُّ لَهُ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَّقَهُ (وَلَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ) بَعْدَ كَمَالِهِ (بِحُرِّيَّةٍ) فَيُحْكَمُ بِرِقِّهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِيهَا كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ نَعَمْ إنْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ فِيهَا وَلَا ذِمِّيٍّ فَرَقِيقٌ كَسَائِرِ صِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ لِمُكَذِّبِهِ أَوْ سَبَقَ إقْرَارُهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ وَإِنْ عَادَ الْمُكَذِّبُ وَصَدَّقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ بِالْأَصْلِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا (وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ) أَيْ بِالرِّقِّ (فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ مُضِرٍّ بِغَيْرِهِ) بِخِلَافِهِ فِي مُسْتَقْبَلٍ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ وَمَاضٍ لَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ (فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَبِيَدِهِ مَالٌ قَضَى مِنْهُ) وَلَا يُجْعَلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالرِّقِّ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي الْمُضِرُّ بِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً وَلَوْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَظَاهِرُهُ الْإِسْلَامُ اهـ ز ي. وَقَوْلُ زي: إذَا مَاتَ. . . إلَخْ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لَمْ يُجَهَّزْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُرْتَدٌّ بِكُفْرِهِ جُهِّزَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: يُقَامُ فِيهِ أَيْ فِي الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: شِعَارُ الْإِسْلَامِ أَيْ عَلَامَتُهُ وَهِيَ تَبَعِيَّتُهُ لِلدَّارِ فِي الْإِسْلَامِ أَيْ فَيُجَهَّزُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِرِدَّتِهِ أَمْ بِكُفْرِهِ وَقَوْلُهُ: هَذِهِ الْأُمُورُ أَيْ التَّجْهِيزُ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: تَبَيَّنَّا خِلَافَ. . . إلَخْ) أَيْ تَبَيَّنَ لَنَا خِلَافُ. . . إلَخْ أَيْ فَتُنْقَضُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ وَرِقِّهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ]
(فَصْلٌ: فِي بَيَانِ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ) أَيْ مَا تَحْصُلُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ ع ش وَقَوْلُهُ: وَاسْتِلْحَاقِهِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُهُمَا فَيَتْبَعُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ إلَى قَوْلِهِ قَضَى مِنْهُ وَيَتْبَعُ الثَّانِي قَوْلُهُ: فَإِنْ عُدِمَ أَوْ تَحَيَّرَ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ أَحُدَّهُ حَتَّى أَسْأَلَهُ أَحُرٌّ أَمْ لَا سم (قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي) أَيْ مِنْ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ غَيْرَهُ) أَيْ حَيْثُ تَكْفِي الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَنْ النَّسَبِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُغَيَّرُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى أَحَدٍ الْمَالَ ع ش وَقَوْلُهُ: وَصْفَهُ أَيْ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ظَاهِرًا) أَيْ فَدَعْوَاهُ تُغَيِّرُ وَصْفِهِ فَاشْتُرِطَ التَّعَرُّضُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ ح ل (قَوْلُهُ: بَعْدَ كَمَالِهِ) أَيْ بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ (قَوْلُهُ: هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَّقَهُ) أَيْ لِشُمُولِهِ حَالَةَ السُّكُوتِ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إذْ لَوْ أَقَرَّ إنْسَانٌ بِحُرِّيَّتِهِ وَأَقَرَّ اللَّقِيطُ لَهُ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ صَدَّقَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ م ر، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدَ كَمَالِهِ يُعَيِّنُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ. . . إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ اللَّقِيطُ حُرٌّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: فَرَقِيقٌ) وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَقِيطًا وَقَوْلُهُ: كَسَائِرِ صِبْيَانِهِمْ أَيْ الْمَعْرُوفِ نَسَبُهُمْ ح ل فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّقِيطَ الْمَذْكُورَ مِنْ صِبْيَانِهِمْ.
وَحَاصِلُ الدَّفْعِ تَسْلِيمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفِ النَّسَبِ وَالْمُرَادُ صِبْيَانُهُمْ بَعْدَ أَسْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ أَسْرِهِمْ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِمْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) : رَدَّهُ الشَّارِحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ إنَّمَا تَقْتَضِي اسْتِرْقَاقَ مَنْ ذُكِرَ بِالْأَسْرِ وَمُجَرَّدُ اللَّقْطِ لَا يَقْتَضِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْرًا بِأَنْ قَصَدَ أَنْ يُرَبِّيَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الرَّدُّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ح ل وز ي فَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ ضَعِيفٌ وَفِي سم، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَقْتَضِي رِقَّهُ فَإِذَا أُخِذَ عَلَى جِهَةِ الِالْتِقَاطِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِهَذَا الْقَصْدِ صَارِفٌ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ لِمُكَذِّبِهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (قَوْلُهُ: فِي تَصَرُّفٍ مَاضٍ) أَيْ فِي حُكْمِ تَصَرُّفٍ، وَالْحُكْمُ فِي الْمِثَالِ الْآتِي هُوَ عَدَمُ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فَإِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يَضُرُّ بِالْمُقَرِّ لَهُ وَقَوْلُهُ: مُضِرٍّ بِغَيْرِهِ.
وَحَاصِلُ الصُّوَرِ سِتٌّ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إمَّا مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ أَوْ بِهِ أَوْ لَا يَضُرَّ بِأَحَدٍ فَقَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِيهِ ثَلَاثٌ وَقَوْلُهُ: وَمَاضٍ إلَخْ فِيهِ ثِنْتَانِ فَقَوْلُهُ: أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي إلَخْ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَمَاضٍ لَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ لَكِنْ أَعَادَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: فَيَقْبَلُ. . . إلَخْ وَذِكْرُهَا فِي ضِمْنِ الْعَامِّ أَوَّلًا كَانَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْقَبُولِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي مُسْتَقْبَلٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّصَرُّفُ الْمَاضِي. . . إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقْتُلَ اللَّقِيطُ رَقِيقًا ثُمَّ يُقِرُّ بِالرِّقِّ فَهُوَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ غَيْرُ مُكَافِئٍ لَهُ فَلَا يُقْتَلُ فِيهِ وَبَعْدَ الْإِقْرَارِ مُكَافِئٌ لَهُ فَيُقْتَلُ فِيهِ س ل وَمَثَّلَهُ الرَّوْضُ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ دَعْوَاهُ الرِّقَّ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ وَهَذَا التَّصْوِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ تَصَرُّفًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ امْرَأَةً. . . إلَخْ) هَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. . . إلَخْ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute