دَرْس] (كِتَابُ الْهِبَةِ) تُقَالُ لِمَا يَعُمُّ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَلِمَا يُقَابِلُهُمَا، وَقَدْ اسْتَعْمَلْت الْأَوَّلَ فِي تَعْرِيفِهَا وَالثَّانِيَ فِي أَرْكَانِهَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] وَقَوْلُهُ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا (هِيَ) أَيْ الْهِبَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ (تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ فِي حَيَاةٍ) فَخَرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةُ وَالضِّيَافَةُ وَالْوَقْفُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إبْطَالُ وَظِيفَةٍ مِمَّا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَيَفْسُقُ فَاعِلُ ذَلِكَ وَيَنْعَزِلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ تَقْدِيمُ بَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْإِعْطَاءِ وَلَوْ انْدَرَسَتْ مَقْبَرَةٌ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَمْ يَجُزْ لِلنَّاظِرِ إجَارَتُهَا لِلزِّرَاعَةِ مَثَلًا وَإِنْ قَصَدَ صَرْفَ أُجْرَتِهَا لِنَحْوِ مَصَالِحَ لِلْوَقْفِ أَوْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَجُهِلَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَمِقْدَارِ حِصَصِهِمْ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا وَلَا بَيِّنَةَ عُمِلَ بِقَوْلِ الْوَاقِفِ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَّا فَوَارِثُهُ وَإِلَّا فَنَاظِرٌ مِنْ جِهَتِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَارِثِ لَوْ اخْتَلَفَا وَإِلَّا فَذُو الْيَدِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِلْكُلِّ قُسِمَ بَيْنَهُمْ وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ نَاظِرِ الْحَاكِمِ وَنَفَقَةِ الْمَوْقُوفِ وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ حَيْثُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ مَا عَدَا الْعِمَارَةَ اهـ ق ل.
[كِتَابُ الْهِبَةِ]
(كِتَابُ الْهِبَةِ) مِنْ هَبَّ بِمَعْنَى مَرَّ لِمُرُورِهَا مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ بِمَعْنَى اسْتَيْقَظَ لِتَيَقُّظِ فَاعِلِهَا لِلْإِحْسَانِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْ النَّدْبِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَهَا عَقِبَ الْوَقْفِ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي مُطْلَقِ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ إزَالَةُ الْمِلْكِ فِيهَا لِمَالِكٍ وَفِي الْوَقْفِ لَا لِمَالِكٍ ق ل وزي مَعَ زِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: تُقَالُ) أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا فَتَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ فِيمَا إذَا نَقَلَ إلَيْهِ شَيْئًا إكْرَامًا وَقَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَأَتَى بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَيُعْتَبَرُ فِي التَّمْلِيكِ فِي الثَّلَاثَةِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَفِي التَّمَلُّكِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ اهـ خَضِرٌ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: وَلِمَا يُقَابِلُهُمَا) وَهِيَ ذَاتُ الْأَرْكَانِ وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: نَفْسًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُنَّ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ أَيْ الصَّدَاقِ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ إذْ تَشْمَلُ الصَّدَاقَ وَغَيْرَهُ وَالْآيَتَانِ مُحْتَمِلَتَانِ لِلْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ وَقَوْلُهُ: عَلَى حُبِّهِ أَيْ الْمَالِ وَعَلَى بِمَعْنَى مَعَ أَوْ الضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى فَعَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ وَأَيْضًا وَرَدَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» بِالتَّشْدِيدِ مِنْ الْمَحَبَّةِ وَقِيلَ تَحَابُّوا بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الْمُحَابَاةِ وَهِيَ الْإِكْرَامُ وَقَوْلُهُ: تَهَادَوْا بِفَتْحِ الدَّالِ مِثْلُ تَعَالَوْا وَأَصْلُهُ تَهَادَيُوا حُذِفَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ لِثِقَلِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ) بَابُهُ ضَرَبَ مُخْتَارٌ وَكَرَمَ قَامُوسٌ أَيْ لَا تَسْتَصْغِرَنَّ هَدِيَّةً لِجَارَتِهَا. . . إلَخْ ع ش فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلْمُعْطِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُهْدَى إلَيْهَا قُلْت: وَلَا يَتِمُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمُهْدَى إلَيْهَا إلَّا بِجَعْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِجَارَتِهَا بِمَعْنَى مِنْ وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ اهـ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ س ل فِيهِ نَهْيٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِرْسِنَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَبِفَتْحِ السِّينِ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ ع ش (قَوْلُهُ: أَيْ ظِلْفَهَا) أَيْ الْمَشْوِيَّ الْمُشْتَمِلَ عَلَى بَعْضِ لَحْمٍ؛ لِأَنَّ النِّيءَ قَدْ يَرْمِيهِ آخِذُهُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ) أَيْ الْأَعَمِّ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَقَدْ اسْتَعْمَلْت الْأَوَّلَ فِي تَعْرِيفِهَا ع ش (قَوْلُهُ: تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالتَّمْلِيكُ لِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بِتَفْصِيلِهِ الْآتِي أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي بِلَا عِوَضٍ هِبَةٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَخَرَجَ الْوَقْفُ قَالَ ع ش: فِي إخْرَاجِ التَّمْلِيكِ الْمَذْكُورِ لِلْوَقْفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّارِحَ جَعَلَهُ شَامِلًا لِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ أَصْلًا مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ اهـ بِحُرُوفِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ امْتِنَاعُ الْهِبَةِ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ وَلَا تَمَلُّكُ الْوَلِيِّ لَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى تَخْرُجَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَمْلِيكٌ حَتَّى تَدْخُلَ وَعِبَارَةُ م ر فَخَرَجَ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ بَعْدَهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَالضِّيَافَةِ) فَهِيَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِلْكٌ لَكِنْ لَا بِالتَّمْلِيكِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِزَيْدٍ طَعَامًا فَأَكَلَهُ ضَيْفًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ فِي فَمِهِ أَيْ مِلْكًا مُرَاعًى وَلَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالِازْدِرَادِ أَيْ الْبَلْعِ فَصُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا طَعَامَ نَفْسِهِ اهـ اج وع ش.
(قَوْلُهُ: وَالْوَقْفِ) فَإِنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ مِنْ جِهَةِ تَمْلِيكِ الْوَاقِفِ ح ل وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا تَمْلِيكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute