للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّهُ مُعْتَكِفٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الزَّمَنَ الْمَصْرُوفَ إلَى مَا شُرِطَ مِنْ عَارِضٍ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي.

(كِتَابُ الْحَجِّ)

دَرْسٌ هُوَ لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ، (وَالْعُمْرَةُ) هِيَ لُغَةً: الزِّيَارَةُ وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ. وَذِكْرُهَا فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ زِيَادَتِي. (يَجِبُ كُلٌّ) مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وقَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ: ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ فِي الْعُمُرِ (مَرَّةً) وَاحِدَةً بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّهُ مُعْتَكِفٌ فِيهِ) أَيْ حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضُرُّ فِيهِ مَا يَضُرُّ فِي الِاعْتِكَافِ أَيْ يُبْطِلُهُ وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ لَهُ ح ل وح ف. (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ) مُرَادُهُ أَنَّ هَذَا يُضَمُّ إلَى الْمُسْتَثْنَى فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[كِتَابُ الْحَجِّ]

هُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِآدَمَ لَمَّا حَجَّ: لَقَدْ طَافَتْ الْمَلَائِكَةُ بِهَذَا الْبَيْتِ قَبْلَك سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الطَّوَافُ لَيْسَ حَجًّا وَلِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَخْ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ فَالْمَخْصُوصُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا عُدَّ الطَّوَافُ مِنْهُ، أَوْ كَوْنُهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْعُمْرَةِ كَذَلِكَ. وَنَزَلَتْ آيَتُهُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّنَاقُضِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَقَدْ جَاءَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ»

وَاسْتِثْنَاءُ هُودٍ وَصَالِحٍ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَهُوَ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ "، إنْ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا ز ي (قَوْلُهُ: قَصْدُ الْكَعْبَةِ) أَيْ: مَعَ فِعْلِ أَعْمَالِ الْحَجِّ ع ش فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ الشَّرْعِيَّ قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْقَاصِدُ بِالنُّسُكِ أَيْ: الْأَرْكَانِ فَإِذَا قَصَدَهَا أَيْ: الْكَعْبَةَ لِلنُّسُكِ يُقَالُ لَهُ حَجٌّ وَإِنْ كَانَ مَاكِثًا فِي بَيْتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمُوَافِقُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَلِقَوْلِهِمْ: أَرْكَانُ الْحَجِّ وَسُنَنُ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ شَرْعًا عِبَارَةً عَنْ الْأَعْمَالِ الْمَخْصُوصَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ سم

وَأَجَابَ م ر بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ فِعْلُ الْأَعْمَالِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ فَتَسْمِيَتُهَا أَرْكَانَ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَشْتَمِلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ وَزِيَادَةِ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: لِلنُّسُكِ الْآتِي) وَهُوَ نَفْسُ الْأَفْعَالِ فَإِنْ قُلْت كَلَامُهُ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ قُلْت لَا إذْ قَوْلُهُ: فِي تَعْرِيفِ الْحَجِّ الْآتِي بَيَانُهُ يُخْرِجُ الْعُمْرَةَ وَقَوْلُهُ: فِي تَعْرِيفِ الْعُمْرَةِ الْآتِي بَيَانُهُ يُخْرِجُ الْحَجَّ فَلَا اتِّحَادَ بِرْمَاوِيٌّ أَيْ: فَمَا وَعَدَ بِإِتْيَانِهِ فِي كُلِّ قَيْدٍ مُخْرِجٌ لِلْآخَرِ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ) سُمِّيَتْ عُمْرَةً لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ مَرَّةً م ر. (قَوْلُهُ: يَجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ، وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ؛ أَغْنَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَسَقَطَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ تَخْفِيفًا فَصَارَ الْوُضُوءُ بَدَلًا عَنْهُ، ثُمَّ سَقَطَ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِلَّهِ) إنْ قُلْت: إنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَلِمَ أَضَافَهُمَا إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؟ قُلْت: حِكْمَةُ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ فِيهِمَا إخْلَاصُ النِّيَّةِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ. (قَوْلُهُ: أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَأْمِينٌ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُتِمَّ بِهَا الِاسْتِدْلَالَ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ إذَا شَرَعَ فِيهِمَا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الشُّرُوعِ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْتُمْ فَأَتِمُّوا ع ش. (قَوْلُهُ: خَطَبَنَا) أَيْ: خَطَبَ لَنَا وَعَدَّاهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى وَعَظَنَا. (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالَهَا) أَيْ: قَالَ هَذَا الرَّجُلُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَسُكُوتُهُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ الْجَوَابِ بِأَمْرٍ أَهَمَّ كَمَا قَالَهُ ع ش لَكِنَّ انْتِظَارَهُ الْوَحْيَ لَا يَحْسُنُ مَعَ قَوْلِهِ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: لَوَجَبَتْ) أَيْ: الْحَجَّةُ كُلَّ عَامٍ، أَوْ الْفَرِيضَةُ، أَوْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَيْ: مُقْتَضَاهَا وَهُوَ الْوُجُوبُ كُلَّ عَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْ: نَعَمْ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَرَّعٌ لَا مُوجَبٌ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفَوَّضًا لَهُ الْفَرْضُ كُلَّ عَامٍ وَعَدَمُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيْ: إنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْ هَلْ كَانَ التَّخْيِيرُ عِنْدَ السُّؤَالِ، أَوْ قَبْلَهُ؟ حَرِّرْ

وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ: يَا حَاجُّ فُلَانٍ تَعْظِيمًا لَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَإِنَّ مَعْنَى يَا حَاجُّ يَا مَنْ أَتَى بِالنُّسُكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، وَقَصَدَ مَعْنًى صَحِيحًا كَأَنْ أَرَادَ يَا قَاصِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>