وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» هَذَا إنْ لَمْ يَنُبْ مَنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمِيقَاتُهُ مِيقَاتُ مُنِيبِهِ، أَوْ مَا قَيَّدَ بِهِ مِنْ أَبْعَدَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ. (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ فَوْقَ مِيقَاتٍ إحْرَامٌ مِنْهُ) لَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ (وَمِنْ أَوَّلِهِ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ لَا مِنْ وَسَطِهِ، أَوْ آخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِمَنْ فَوْقَ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَ) مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ (لِمَنْ لَا مِيقَاتَ بِطَرِيقِهِ إنْ حَاذَاهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ: سَامَتَهُ بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسَارِهِ (مُحَاذَاتُهُ) فِي بَرٍّ كَانَ، أَوْ بَحْرٍ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَحَرَّى (أَوْ) حَاذَى (مِيقَاتَيْنِ) كَأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا (مُحَاذَاةَ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوْ لَا. وَتَعْبِيرِي بِأَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَبْعَدِهِمَا أَيْ إلَى مَكَّةَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّقْيِيدِ بِمَا إذَا اسْتَوَتْ مَسَافَتُهُمَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا تَفَاوَتَتْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فِي الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا (فَ) مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ (مَرْحَلَتَانِ مِنْ مَكَّةَ) إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ (وَ) مَكَانَيْهَا لِنُسُكٍ (لِمَنْ دُونَ مِيقَاتٍ لَمْ يُجَاوِزْهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مُرِيدَ نُسُكٍ) بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ وَهُوَ مِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ، أَوْ جَاوَزَهُ غَيْرُ مُرِيدِ نُسُكٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
زِيَادَةً عَلَى الْأَوَّلِ بِذِكْرِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ ق ل (قَوْلُهُ: وَقَالَ هُنَّ) أَيْ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لَهُنَّ أَيْ: لِهَذِهِ النَّوَاحِي أَيْ: لِأَهْلِهِنَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِرْمَاوِيٌّ، أَوْ الضَّمِيرُ فِي لَهُنَّ لِلْأَهْلِ وَأَنَّثَهُ لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلَهُ، أَوْ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد هُنَّ لَهُمْ قَالَ السُّيُوطِيّ وَهِيَ الْوَجْهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) أَيْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ وَمَحَلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَكَانَيْهَا لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ يُحْرِمُ حِلٌّ ح ف (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا لَمْ يَنُبْ مَنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِهِ) وَعَلَيْهِ فَالْمَكِّيُّ إذَا اُسْتُنِيبَ لِلْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ عَنْ آفَاقِيٍّ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَتَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتِ مَنْ نَابَ عَنْهُ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُنِيبُ مَكَّةَ وَقْتَ الْإِنَابَةِ ح ف وَيُحَطُّ عَنْ الْمُنِيبِ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أُجْرَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمُنِيبِ بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ سم ع ش. (قَوْلُهُ: مِيقَاتُ مُنِيبِهِ) أَيْ: أَوْ مَكَانُ مِثْلِهِ مَسَافَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا قَيَّدَ بِهِ فَإِنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ، أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ ع ش. (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ فَوْقَ مِيقَاتِ إحْرَامٍ مِنْهُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ سَائِغٌ وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانِيُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكَانِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَقِّ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانِيُّ اهـ. أَقُولُ؛ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالزَّمَانِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دُونَ الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ عَمِيرَةُ ز ي. (قَوْلُهُ: لَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) أَيْ: لَا مِنْ بَلَدِهِ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ إلَى فَرَاغِ حَجِّهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
وَدُوَيْرَةٌ تَصْغِيرُ دَارٍ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَاخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَّرْت ... مِنْ مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثِيٍّ كَسِنْ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ يُسْتَثْنَى) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ أَوَّلِهِ وَكَذَا كُلُّ مِيقَاتٍ وُجِدَ بِهِ مَسْجِدٌ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ح ل. (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا مِيقَاتَ بِطَرِيقِهِ) لَا يُقَالُ الْمَوَاقِيتُ مُسْتَغْرِقَةٌ لِجِهَاتِ مَكَّةَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عَدَمُ مُحَاذَاتِهِ الْمِيقَاتَ؟ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُحَاذَاةِ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُتَصَوَّرُ بِالْجَائِيِّ مِنْ سَوَاكِنَ إلَى جَدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِرَابِغٍ وَلَا بِيَلَمْلَمَ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ فَيَصِلُ جَدَّةَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهِمَا وَهِيَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَتَكُونُ هِيَ مِيقَاتُهُ شَرْحُ حَجّ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا أَمَامَهُ أَيْ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ كَوْنَ الْمِيقَاتِ أَمَامَهُ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ. (قَوْلُهُ: مُحَاذَاتَهُ) أَيْ: مَكَانَ مُحَاذَاتِهِ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ لَيْسَتْ مَكَانًا ح ف.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ: الْمُحَاذَاةُ وَقَوْلُهُ: تَحَرَّى أَيْ: إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ. (قَوْلُهُ: مُحَاذَاةَ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ) اُنْظُرْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَيْفَ يَتَحَقَّقُ انْفِرَادُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِهِمَا؟ وَمَا مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ؟ وَقَدْ يُقَالُ مَعْنَاهُ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا نُسُكًا وَلَمْ يُحْرِمْ، ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ لِلْإِحْرَامِ هَلْ يَجِبُ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَبْعَدِ؟ ، أَوْ لَا؟ إنْ قُلْنَا يَتَعَيَّنُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ سَلْكَ طَرِيقَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحَاذِيهِمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَا مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: أَقْرَبُهُمَا إلَيْهِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَ طَرِيقِهِ وَبَيْنَهُ مِيلٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ مِيلَانِ حَجّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ) غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ) كَأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْسَخٌ مَثَلًا اط ف. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا) كَأَنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute